خطبة عيد الأضحى
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ، مَنَّ عَلَيْنَا فَهَدَانَا وَأَطْعَمَنَا وَسَقَانَا، وَكُلَّ بَلَاءٍ حَسَنٍ أَبْلَانَا، الْحَمْدُ لِلَّهِ غَيْرَ مُوَدَّعٍ، وَلَا مُكَافَئٍ، وَلَا مَكْفُورٍ، وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَ مِنَ الطَّعَامِ، وَسَقَى مِنَ الشَّرَابِ، وَكَسَا مِنَ الْعُرْيِ، وَهَدَى مِنَ الضَّلَالَةِ، وَبَصَّرَ مِنَ الْعَمَى، وَفَضَّلَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِهِ تَفْضِيلًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد؛ أما بعد:
فهذا يومٌ عظيم، وعيدٌ كبير، شرعه الله لنا لذكرِه وشكرِه، وللفرح بنعمتِه، ويُستحب التكبير المقيد بعد الصلوات من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا، فالحُجَّاج يُكبِّرون الله عند رمي الجمرات، وغير الحجاج يُكبِّرون الله في هذه الأيام، فعليك – أيها المسلم – أن تكثِر من تكبير الله، واعلم أن الله أكبر من كل شيء، فيمتلئ قلبُك بتعظيم الله وشرعه، وتُعظِّم ما عظَّم اللهُ سبحانه، فتمتثل أوامرَه، وتجتنب نواهيه؛ ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32].
أيها المسلمون، من الشعائر العظيمة في هذا اليوم ذَبْحُ الهَدْيِ والأضاحي، فالحُجَّاج يتقربون إلى الله بذبح الهَدْيِ، وغير الحُجَّاج يتقربون إلى الله بذبح الأضاحي؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [الحج: 34، 35].
أيها المسلمون، المقصد من ذبح الأضاحي إقامةُ ذكرِ الله وشكرِه، والإحسانُ إلى النفس والأهل، والمساكين والجيران؛ قال الله تعالى: ﴿ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ﴾ [الحج: 36، 37]، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا.
أيها المسلمون، ذبح الأضاحي عبادةٌ لا عادة، فأخلصوا لله في هذه العبادة العظيمة، وتقربوا إلى الله بذبح الأضاحي ونحرها كما تتقربون إليه بالصلاة: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي – أي ذبحي – وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163]، ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ [الكوثر: 2]، ولا تجوز الأُضْحِيَّة بصغيرة السن، ويُشترط في الأضحية أن تكون سالمة من العيوب التي تُنقِص اللحم، وإذا عيَّن الإنسانُ الأضحيةَ ثم أصابها عيبٌ بلا تفريطٍ منه جاز التضحيةُ بها، وإن أصابها عيبٌ بتفريطٍ منه أبدلها بأخرى سليمة، وإن أصابها عيبٌ قبل مباشرة ذبحها بلا تفريطٍ منه فلا حرج، كأن يُضجِع أضحيته ليذبحها فتضطرب وتنكسر رجلها، وإن هرب البعير أو الثور ولم يستطع إمساكه إلا بكسر رجلِه أو جرحِه، فلا حرج، وإن هرب وتوحش فإنه يصير كالصيد، يجوز رميُه بالرصاص مع البسملة ويحِلُّ؛ ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: 78].
أيها المسلمون، يبدأ وقت ذبح الأضحية من بعد صلاة العيد، والأفضل ذبح الأضحية في يوم العيد، ويجوز بالإجماع ذبح الأضحية ثاني العيد وثالث العيد، ويُسنُّ للمضحي أن يأكل من أضحيته، ويتصدق من لحمها نيئًا على الفقراء، ويُهدي للجيران والأقارب والأصدقاء، ولا حدَّ لِما يتصدق به؛ قال الله تعالى: ﴿ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴾ [الحج: 28]، وقال سبحانه: ﴿ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [الحج: 36]، والقانع هو السائل، والمعترُّ هو الذي يتعرض للصدقة من غير سؤال.
والأفضل أن يتولَّى صاحب الأضحية ذبحها بنفسه، وله أن يوكِّل غيره بالذبح، ولا يجوز بيعُ شيء من الأضحية، ولا أن يُعطي الجزار منها أُجرة، وله أن يعطيه منها صدقة أو هدية، ويجوز أن ينتفع صاحب الأضحية بجلدها بغير البيع، أو يتصدق به، أو يهديه للجزار أو غيره، ويجوز ادخار لحوم الأضاحي إلى بعد أيام العيد، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام، ولك الحمد على ما شرعت لنا من الأحكام، أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على نِعَمِهِ التي لا تُعَدُّ ولا تُحصى، الحمد لله الذي خلقنا من العَدَم، ورزقنا من النِّعَم، ودفع عنا النِّقَم، الحمد لله على نِعَمِهِ الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، السابقة واللاحقة، ما نعلم منها وما نجهل، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلمون، لا يحل أكل الأنعام التي أباحها الله لنا إلا بعد تذكيتها بالذبح أو النحر، والذبح: هو قطعُ الحلقِ أعلى العنق، والذبحُ يكون للغنم والبقر، والنحر: هو طعنُ لَبَّةِ الحيوان أسفل العنق، والنحر يكون للإبل.
ويُشترط لصحة الذبح أن يكون الذابح عاقلًا مميِّزًا، ذكرًا أو أنثى، ويجب على الذابح أن يسمِّيَ الله تعالى، وأكثر العلماء أنه لا تحلُّ ذبيحةُ المسلمِ إذا تعمَّد ترك تسمية الله؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ﴾ [الأنعام: 121]، ويُسنُّ أن يُكبِّر الذابح مع التسمية فيقول: (بسم الله، والله أكبر).
والمشروع في الذبح: قطعُ الحلقومِ والمريءِ والودَجَين، والحلقومُ هو مجرى النَّفَس، والمريءُ هو مجرى الطعام، والودَجَان هما العِرقان المتقابلان المحيطان بالحلقوم، والأفضلُ قطع هذه الأربعة كلها، ولا يجوزُ في الذبح كسرُ رقبةِ الحيوان قبل موته، وكرَّه العلماء النَّخْع، وهو بلوغ السكين في الذبح إلى النُّخاع؛ وهو عرقٌ أبيضُ وسط عظمِ الرقبة، فعلى الذابح أن يكتفي بقطع الودجين والحلقوم والمريء، ويترك الحيوان بعد ذبحه حتى يموت، ولا يستعجل موته بقطع الرقبة، ولا يطعنه في منحره قبل موته، ولا يبدأُ بقطع قوائمِه ولا سلخِه حتى يموت.
ويُسَنُّ للذابح أن يُحِدَّ السكين، ولا يحدُّها أمام الحيوان، ويُستحب أن يُضجِع البقر أو الغنم لجنبها الأيسر برفقٍ بقدر الاستطاعة، وأن يستقبل بها القبلة، ويُسرع بيده في الذبح، ويترك رجلها اليمنى تتحرك بعد ذبحها؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ))، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا.
أيها المسلمون، لا تحل الذبائح التي تُقتَل صعقًا بالكهرباء، وهي ميتةٌ حتى وإن صعقها مسلمٌ، والأصل في التذكية الشرعية أن تكون بدون تدويخ الحيوان، وتحلُّ الحيوانات التي تُذبح بعد تدويخها إذا كان تدويخها لا يؤدي إلى موتها، ولا يكتفي الذابح في المسلخ بالتسمية على أول ذبيحة، بل عليه التسمية لكل ذبيحة يذبحها، ولا يكفي أن يسمي اللهَ من حضره، بل تكون التسمية من الذابح نفسه، وهي عبادة عليه أن يحرص عليها في كل ذبيحةٍ وإن كثرت.
أيها المسلمون، العيد فرصة طيبة لإصلاح ذات البين؛ ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 1]، فأفشوا السلام بينكم، واعفوا عمن أساء إليكم وظلمكم، وصِلوا أرحامكم، وتصدقوا وأحسنوا؛ ﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأعراف: 56]، ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134].
اللهم ارحمنا في حياتنا، وارحمنا عند موتنا، وارحمنا بعد موتنا، وارحمنا في قبورنا، وارحمنا يوم الحساب، وحاسبنا حسابًا يسيرًا، واغفر لنا ولوالدينا، اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غِلًّا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم ألِّف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سُبُلَ السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، اللهم أصلِحْ لنا دينَنا الذي هو عِصمةُ أمرِنا، وأصلِحْ لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا، واجعلِ الحياةَ زيادةً لنا في كل خير، واجعلِ الموتَ راحةً لنا من كل شر، اللهم إنا نسألك من الخير كلِّه، عاجِلِه وآجِلِه، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كلِّه، عاجِلِه وآجِلِه، ما علمنا منه وما لم نعلم، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، ونسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لنا خيرًا، وما قضيت لنا من قضاءٍ فاجعل عاقبته رُشدًا، اللهم اجعلنا من الشاكرين الصابرين الصالحين، اللهم حبِّب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، وتوفَّنا مسلمين، غير خزايا ولا مفتونين، اللهم أنْجِ المستضعفين من المسلمين في فلسطين والسودان، وفي كل مكان يا أرحم الراحمين، اللهم هيئ الأسباب لتحرير المسجد الأقصى، فإنك على كل شيء قدير، وأنت أحكم الحاكمين، سبحانك لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، اللهم وصلِّ وسلم على نبينا محمد وآله، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
تمت قراءة هذا المقال بالفعل233 مرة!
✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً.