الزلازل أمر مخوِّف، وقد وصف الله رعب المسلمين بالزلزلة:

1- قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214].

2- وقال: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [الأحزاب: 11].

لماذا تحدث الزلازل الكارثية؟

التفسيرات العلمية تذكر أنواعًا ثلاثة:

1- تكتونية: انزلاق الصفائح التكتونية (Tectonic plates) فوق بعضها، أو ارتطامها ببعضها البعض، والصفائح هذه موجودة في الغلاف الصخري، وهي في طبقة القشرة، وفي الطبقة التي تحتها المعروفة بالوشاح، وهي سبعة أو ثمانية. (راجعوا حلقة لب الأرض)

2- بركانية: تحدث بالتزامن مع نشاط بركاني أسفل السطح، وقد تكون إنذارًا لبركان.

3- اصطناعية: نتيجة تفجيرات نووية أو كيميائية، أو ألغام قوية.

لكن هناك معان أخرى للزلازل ينبغي أن ننتبه إليها؛ فالله قادر على منع الزلازل، وعلى الحفاظ على الأرض آمنة، ولكنه يسمح بالزلزال لحكمة.

1- إنذار العباد بقوته سبحانه وتعالى: فقد روى البخاري عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأنعام: 65]، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ»، قَالَ: {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام: 65]، قَالَ: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ»، {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الأنعام: 65] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «هَذَا أَهْوَنُ -أَوْ هَذَا أَيْسَرُ-»[1].

2- تذكير المؤمنين بما حدث مع القوم المكذبين: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ} [النحل: 45].

a. قصة قوم لوط: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} [الحجر: 74].

b.  قصة قارون: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ} [القصص: 81].

3- تخليص المسلمين من آثار بعض الذنوب؛ ففي الحديث الصحيح عند أبي داود وأحمد عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أُمَّتِي هَذِهِ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ، لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَابٌ فِي الْآخِرَةِ، عَذَابُهَا فِي الدُّنْيَا الْفِتَنُ، وَالزَّلَازِلُ، وَالْقَتْلُ»[2].

4- إنذار الناس بقرب الساعة، وبعدها البعث والحساب:

a. لذلك تحدَّث عن الساعة بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج: 1، 2].

b. وتحدث عن البعث بقوله: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ} [الزلزلة: 1 – 6].

المرهفون إيمانيًّا يلتقطون مثل هذه الإشارات، ويخافون أن يكونوا قد أحدثوا في الشريعة حدثًا فعاقبهم الله تعالى بالزلزال:

1- روى ابن أبي شيبة بسند صحيح عَنْ صَفِيَّةَ ابْنَةِ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَت: زُلْزِلَتِ الأَرْضُ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ حَتَّى اصْطَفَقَتِ السُّرُرُ فَوَافَقَ ذَلِكَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ وَهُوَ يُصَلِّي فَلَمْ يَدْرِ، قَالَت: فَخَطَبَ عُمَرُ لِلنَّاسِ فَقَالَ: أَحدَثْتُم لَقَدْ عَجِلْتُمْ، قَالَت: وَلا أَعْلَمُهُ إِلاَّ قَالَ: لَئِنْ عَادَتْ لأَخْرُجَنَّ مِنْ بَيْنِ ظَهْرَانِيكُمْ.

2- وروى البخاري عن عائشة قَالَتْ: وَكَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ رِيحًا عُرِفَ فِي وَجْهِهِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الغَيْمَ فَرِحُوا رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ المَطَرُ، وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عُرِفَ فِي وَجْهِكَ الكَرَاهِيَةُ، فَقَالَ: “يَا عَائِشَةُ مَا يُؤْمِنِّي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ؟ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ، وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ العَذَابَ، فَقَالُوا: هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا“[3].

لكي يلفت الله أنظار الناس إلى قرب قيام الساعة يُكْثِر من الزلازل:

1- روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: “لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى.. (وذكر أمورًا.. ثم قال): “.. وَحَتَّى يُقْبَضَ العِلْمُ وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الفِتَنُ..”[4].

2- وروى أبو داود بسند صحيح عن عبد الله بن حوالة أن النبي ﷺ قال له: «يَا ابْنَ حَوَالَةَ، إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ قَدْ نَزَلَتْ أَرْضَ الْمُقَدَّسَةِ فَقَدْ دَنَتِ الزَّلَازِلُ وَالْبَلَابِلُ وَالْأُمُورُ الْعِظَامُ، وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنَ النَّاسِ مِنْ يَدِي هَذِهِ مِنْ رَأْسِكَ»[5].
هذا يكون قبل ظهور الدجال، وعلامات الساعة الكبرى، وخاصة طلوع الشمس من المغرب، لأنه إنذار، وهو ينبِّه الناس للعمل، وذلك قبل غلق باب التوبة.

الحديث يوضِّح أن هذه الكثرة لم تحدث بعد، وهذا مطابق للواقع، المعدل لم يزد (20 ألف في السنة بمعدل 50 في اليوم تقريبًا، ومعظمها صغير، ومنها 17 كبير في العام من 7 إلى 7.9 ريختر، ومنها واحد ضخم 8 أو أكثر ريختر).
ولكن الرصد زاد؛ لزيادة عدد أجهزة الرصد، وزيادة الدقة فصارت تكتشف زلازل صغيرة، كما زادت وسائل الإعلام والتواصل فصرنا نعرف بكل الزلازل في العالم. أيضًا زيادة الكثافة السكانية، وهشاشة البناء، والبناء في أماكن خطرة، كل ذلك أدى إلى زيادة رؤية آثار الزلازل.

بالنسبة لزلزال تركيا وسوريا:

1-  ندعو الله للموتى بالرحمة، ولأهلهم بالصبر
2- وندعو المسلمين من الدول والشعوب بالمساعدة
3- كما ننبه على أهمية التقاط العبرة؛ فالله قادر على إحداث الزلزال في أي مكان، وسيحدث يومًا ما زلزالًا ضخمًا تتوقَّف فيه مسيرة الإنسانية، ويبدأ بعدها الحساب، فاتقوا الله، وأعدوا لهذا اليوم عدَّته.
{يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 6 – 8][6].

[1] البخاري: كتاب التفسير، باب تفسير سورة الأنعام (4352).
[2] أبو داود: كتاب الفتن والملاحم، باب ما يرجى في القتل (4278)، وقال الألباني: صحيح، انظر: مشكاة المصابيح، 3/ 1478.
[3] البخاري: كتاب التفسير، باب تفسير سورة حم الأحقاف (4551).
[4] البخاري: كتاب الفتن، باب خروج النار (6704).
[5] أبو داود: كتاب الجهاد، باب في الرجل يغزو يلتمس الأجر والغنيمة (2535)، وقال الألباني: صحيح، انظر: مشكاة المصابيح، 3/ 1500.
[6] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا

تمت قراءة هذا المقال بالفعل339 مرة!