رييل ستوري | عهد وميثاق بين العبد وربه

اعلانات

رييل ستوري | عهد وميثاق بين العبد وربه

خطبة عهد وميثاق بين العبد وربه

 

الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمَده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهُ الأوَّلين والآخِرين، وقيُّومُ السماوات والأَرَضِين، أرسل رُسُلَه حُجَّةً على العالمين؛ ليحيا من حيَّ عن بيِّنة، ويهلِكَ من هلك عن بيِّنة.

 

وأشهد أن محمدًا عبدُالله ورسوله، البشير النذير، والسراج المنير، فصلوات ربي وسلامه عليه ما تعاقب الليل والنهار، وصلوات ربي وسلامه عليه ما ذكره الذاكرون الأبرار، وصلوات ربي وسلامه عليه ما غفل عن ذكره الغافلون، وعلى آله وصحبه، ومن اقتفى أثره واستنَّ بسُنَّته إلى يوم الدين؛ أما بعد أيها المسلمون:

فاتقوا الله وأطيعوه، وابتدروا أمره ولا تَعْصُوه، واعلموا أن خير دنياكم وأُخراكم بتقوى الله تبارك وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ﴾ [الأنفال: 29].




ربي لك الحمدُ العظيم لذاتك
حمدًا وليس لواحدٍ إلاك

أيها المسلمون: أخذ الله سبحانه الميثاقَ والعهد على البشر، أنه ربهم، وأن يعبدوه وحده لا شريك له.

 

وهذه المواثيق والعهود التي أخذها الله على بني آدم هي: ميثاق عالم الذَّرِّ، وميثاق الفطرة، والميثاق في الكتب والرسل؛ فهذه مواثيق وعهود ثلاثة، بين العبد وبين الله ربنا سبحانه وتعالى.

 

فالميثاق والعهد الأول هو ميثاق عالم الذَّرِّ: فالله جل جلاله استخرج من ظهر آدم عليه السلام جميعَ البشر بنَعمانَ، بالقرب من عرفةَ، ونَثَرَهم أمثالَ الذَّرِّ – صغار النمل – وهذا أمر وخبر غيبيٌّ، فنحن جميعًا لا نذكر شيئًا من هذا، لكننا نؤمن به؛ لوجود الآيات والأحاديث الدالة عليه.

 

فعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أخذ الله تبارك وتعالى الميثاقَ من ظهر آدم بنَعمان – يعني عرفة – فأخرج من صلبه كلَّ ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذَّرِّ، ثم كلَّمهم قُبُلًا قال: ﴿ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 172]))؛ [رواه النسائي في الكبرى وأحمد، وصححه الألباني في الصحيحة (1623)].

 

فأهل السعادة أقرُّوا طوعًا وقالوا: بلى، وأهل الشقاوة قالوا تقِيَّةً وكرهًا؛ يقول الله تعالى: ﴿ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا ﴾ [آل عمران: 83]، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله يقول لأهونِ أهل النار عذابًا: لو أنَّ لك ما في الأرض من شيءٍ كنتَ تفتدي به؟ قال: نعم، قال: فقد سألتُك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدمَ؛ ألَّا تشرك بي، فأبيتَ إلا الشرك))؛ [رواه البخاري].

 

وقد سألهم الله تعالى ما هو أيسر من ذلك؛ وهو أن يوحِّدوه ولا يشركوا به شيئًا، وذلك وهم في صلب آدم عليه السلام؛ كما قال تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا ﴾ [الأعراف: 172]، ولكن الكافر أبى أن يلتزم بهذا الميثاق وهذا العهد، فخُلِّد في جهنمَ جزاءً وفاقًا.

 

عباد الله: خَلَقَ الله تعالى آدم عليه السلام بيده، وخلق منه حوَّاءَ، وجعل منهما الذرية والنسل، وكما فعل آدم عليه السلام فعلت ذريته من بعده؛ من النسيان وغير ذلك، وأخرج من ظهر آدم كلَّ نَسَمَةٍ هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل في موضع جبهة كل إنسان من هذه النَّسَم والذَّرِّ لمعانًا وبرقًا من نور يشير إلى الفطرة السليمة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لما خلق الله آدم مسح ظهره فسقط من ظهره كلُّ نَسَمَةٍ هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وَبِيصًا من نور، ثم عرضهم على آدم فقال: أي رب، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذريتك، فرأى رجلًا منهم فأعجبه وبيصَ ما بين عينيه، فقال: أي رب، من هذا؟ فقال: هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك، يُقال له: داود، فقال: ربِّ كم جعلت عمره؟ قال: ستين سنةً، قال: أي رب، زِدْهُ من عمري أربعين سنةً، فلما قُضِيَ عُمرُ آدم جاءه مَلَكُ الموت، فقال: أَوَلَمْ يبقَ من عمري أربعون سنةً؟ قال: أولم تُعْطِها ابنَك داود؟ قال: فجحد آدم، فجحدت ذريته، ونسِيَ آدم، فنَسِيَت ذريته، وخَطِئَ آدم فخَطِئت ذريته))؛ [رواه الترمذي، وصححه الألباني].



وأما الميثاق والعهد الثاني: فهو ميثاق الفطرة؛ فالله سبحانه فَطَرَ الناس على توحيده، فالنفوس تعرف ربها، وأنه واحد لا شريك له؛ يقول الله سبحانه: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [الروم: 30 – 32].

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من مولودٍ إلا يُولَد على الفطرة، فأبواه يُهَوِّدَانِهِ أو يُنصِّرَانِهِ، أو يُمجِّسانِهِ، كما تُنْتَجُ البهيمةُ بهيمةً جمعاءَ، هل تُحِسُّون فيها من جدعاءَ؟ ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: ﴿ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾ [الروم: 30]؛ الآية))؛ [متفق عليه، واللفظ للبخاري].

 

فقد خلق الله عز وجل الإنسانَ في أحسن تقويم، على الفطرة النقِيَّةِ الخالية من شوائب الكفر، ومن دَنَسِ المعاصي، ومن ذميم العادات، فلو تُرِكَ المولود على ما فُطِرَ عليه، لاستمرَّ على طُهره، ولم يَخْتَرْ غيرَ الإسلام.

 

وعن عياض بن حمار رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله تعالى: إني خلقتُ عبادي حُنفاءَ كلَّهم، وإنهم أتَتْهُمُ الشياطين فاجْتالَتْهم عن دينهم، وحرَّمت عليهم ما أحللتُ لهم، وأمرَتْهم أن يُشركوا بي ما لم أُنزل به سلطانًا))؛ [رواه مسلم].

 

ألَا كلُّ شيءٍ ما خلا اللهَ باطل.


أما الميثاق الثالث: ما جاءت به الرسل وأُنزلت به الكتب.

 

يقول الله سبحانه: ﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 165].

 

وقال ابن مسعود: “من أراد أن ينظر إلى وصية محمد صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه، فليقرأ: ﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ﴾ [الأنعام: 151] إلى قوله: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا ﴾ [الأنعام: 153]؛ الآية”.

 

فهذه المواثيق والعهود الثلاثة حُجَّةٌ على العباد؛ فالفطرة تدلُّك على ربوبية الله ووحدانيته، وكتاب الله يدلُّك على أن الله هو المعبود بحقٍّ، وهو الرب سبحانه.

 

والرسول صلى الله عليه وسلم يأمر ويدل على عبادة الله وحده لا شريك له، وعلى خطورة الوقوع في الشرك.

 

والأدلة العقلية تدل على أن الله واحد لا شريك له ولا ندَّ له.

 

ألَا فاتقوا الله عباد الله، وتفقَّدوا توحيدكم لله، وقوموا بما يُعزِّزه في أقوالكم وأفعالكم وقلوبكم؛ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن والسُّنَّة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبدُالله ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، ومن اقتفى أثره إلى يوم الدين؛ أما بعد:

فيا أيها المسلمون:




على نعمة التوحيد يا رب أحمَدُ
فلست سواك الله أدعو وأعبُدُ
بفضلك لم أعبد جمادًا وميتًا
ولم أكُ يومًا للبهائم أسجدُ


عباد الله: قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 172].

 

فالله سبحانه يقول: ﴿ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ﴾ [الأعراف: 172]، فأقرُّوا له بالربوبية، فقالت الملائكة عند ذلك: (شهِدنا)؛ لئلا يقول الكفَّارُ يوم القيامة: إنا كنا عن هذا الميثاق غافلين، لم نحفَظه، ولم نذكره، ويذكرون الميثاق ذلك اليوم فلا يمكنهم الإنكار مع شهادة الملائكة، وهذه الآية، وهذا الميثاق تذكير لجميع المكلَّفين.

 

نسأل الله أن يُثبِّتنا على توحيده، وأن يُحيِيَنا عليه، ويُميتَنا عليه.

 

عباد الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

 

اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمدٍ، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر آل نبيك وأصحابه أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم وارضَ عنا بمنِّك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الكافرين والمنافقين يا رب العالمين.

 

اللهم احفظ هذه البلاد، واجعلها حائزةً على كل خير، سالمةً من كل شرٍّ، وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك أن تكفِيَنا أعداءك وأعداءنا بما شئت يا رب العالمين.

 

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح اللهم ولاةَ أمورنا، اللهم وفِّق حاكمنا ووليَّ أمرنا لكل خير، ووفق وليَّ عهده وأعوانهم لِما فيه عزٌّ للإسلام وصلاح للمسلمين، يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المسلمين، ونفِّس كرب المكروبين من المسلمين، اللهم واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين يا رب العالمين، اللهم اغفر لموتانا وموتى المسلمين، اللهم ضاعِفْ حسناتِهم، وتجاوز عن سيئاتهم يا أرحم الراحمين.

 

اللهم أحْسِنْ عاقبتنا في الأمور كلِّها، وأجِرْنا من خزيِ الدنيا وعذاب الآخرة، يا حيُّ يا قيُّومُ، برحمتك نستغيث، أصلح لنا شأننا كله: ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201].

 

عباد الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النحل: 90، 91].

 

اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نِعَمِهِ يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون، وأقِمِ الصلاة.



تمت قراءة هذا المقال بالفعل184 مرة!

✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

https://reelpdf.com/click/do.php?imgf=173200103865251.png

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *