رييل ستوري | الحديبية الفتح المبين والنصر العظيم

اعلانات

رييل ستوري | الحديبية الفتح المبين والنصر العظيم

الحديبية الفتح المبين والنصر العظيم

 

أجمع أهل العلم والسير والتواريخ على أنه في يوم الاثنين الأول من شهر ذي القعدة في السنة السادسة للهجرة، خرج الرسول صلى الله عليه وسلم بأصحابه من المدينة المنورة متوجهًا إلى مكة لأداء العمرة.

 

جاء هذا التحرك بعد رؤية رآها الرسول صلى الله عليه وسلم في منامه أنه دخل مكة مع أصحابه محرمًا ملبِّيًا، وقد ساق الهدي معظِّمًا للبيت، فبَشَّر أصحابه ففرحوا بها أيما فرح، واستبشروا بدخول مكة؛ لأن رؤيا الأنبياء حق، كما نقل ابن القيم رحمه الله: “ورؤيا الأنبياء وحي، فإنها معصومة من الشيطان وهذا باتفاق الأمة”.

 

فلما أخبرهم بذلك تأهَّبوا لتلك الزيارة المباركة وهذه الشعيرة العظيمة، مع شوق المهاجرين الذين أُخرجوا من ديارهم التي ولدوا ونشؤوا فيها، وتاقت نفوسهم شوقًا لمكة التي حيل بينهم وبينها سنوات عديدة.

 

انتشر خبر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة معتمرًا ولا يريد الحرب؛ فكان له أثر كبير في الرأي العام بين قبائل العرب، وحقق هذا الفعل مكاسب إعلامية واسعة؛ بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم يُعظِّم الكعبة، ويقدم لها الهدي، وجاءها زائرًا لا غازيًا.

 

بذل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في وسعه لإفهام قريش أنه لا يريد حربًا معهم، وإنما الهدف من مجيئه وأصحابه هو الزيارة لبيت الله الحرام، هذا حق للمسلمين كما لغيرهم من العرب الذين يأتون لتعظيم البيت والطواف به، وعندما تأكدت قريش من ذلك أرسلت له من يفاوضه، ويتعرف على قوة المسلمين وعددهم، ومدى إصرارهم على الزيارة ودخولهم مكة، ومدى عزمهم على القتال لو حيل بينهم وبين أداء عمرتهم. مع إمكانية محاولة الحيلولة بينهم وبين هدفهم، ومدى عزم المسلمين على القتال لو صُدُّوا عن البيت، ومدى نجاعة استخدام الوسائل السلمية في ردهم عن هذه الزيارة.

 

استخدمت قريش في مناوراتها أسلوب استخدام السفراء والوسطاء بينهم وبين المسلمين؛ فتكللت هذه السفارات بالوصول إلى الاتفاق بين قريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم على ما عُرف بصلح الحديبية، وهو الفتح المبين والنصر العظيم، بتفاصيله الواسعة ونتائجه التي هي موضوعنا وهو النصر والفتح الذي ذكره الله تعالى في القرآن الكريم، ليُتلى إلى يوم القيامة ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا ﴾ [الفتح: 1 – 3].

 

بعد هذا الفتح وعقد الصلح وتحقيق النصر انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية قاصدًا مدينته المنورة، وعبَّر عن عظيم فرحته بنزول القرآن عليه بخصوص هذا الفتح والنصر منًّا من الله بالنصر ومغفرة للذنب، وأمام النعمة والهداية والنصر العزيز قال صلى الله عليه وسلم: «أُنزلت عليَّ الليلة سورة لهي أحَبُّ إليَّ مما طلعت عليه الشمس»؛ البخاري 4177، ثم قرأ: ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ﴾، فقال الصحابة: هنيئًا مريئًا، فما لنا؟ فأنزل الله: ﴿ لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الفتح: 5]، فقال رجل: يا رسول الله، أفتح هو؟ قال: «نعم والذي نفسي بيده إنه لفتح»؛ رواه أبو داود. فانقلبت كآبة المسلمين وحزنهم إلى فرح غامر، وأدركوا أنهم لا يمكن أن يحيطوا بالأسباب والنتائج، وأن التسليم لأمر الله ورسوله فيه كل الخير لهم ولدعوة الإسلام؛ السيرة النبوية الصحيحة.

 

تفتتح السورة بهذا الفيض الإلهي على رسوله صلى الله عليه وسلم: فتح مبين، ومغفرة شاملة، ونعمة تامة، وهداية ثابتة، ونصر عزيز.. إنها جزاء الطمأنينة التامة لإلهام الله وتوجيهه والاستسلام الراضي لإيحاءاته وإشارته، والتجرد المطلق من كل إرادة ذاتية، والثقة العميقة بالرعاية الحانية.

 

وحين سأله عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، في حمية: فلمَ نعطي الدنية في ديننا؟ وهنا نرى أدب الخطاب مع رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم وهو في حميته لم يقل له: لمَ تعطي؟ بل قال: نعطي، فنسب الفعل الذي سبب له هذه الحمية له وللمسلمين، ولم ينسبه للنبي تأدبًا مع سيد ولد آدم وإمام المرسلين، وخوفًا من غضب رب العالمين الذي يؤمن عمر بأن غضب الله من غضب رسوله، ورضا الله من رضا رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.

 

كان فتح الحديبية فتحًا مسبوقًا بفتح الرضوان من الله حين بايع الصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم حين بلغه خبر مقتل عثمان، فقال صلى الله عليه وسلم: «لن نبرح حتى نناجز القوم»، فدعاهم إلى بيعة الرضوان، فكانت خيرًا وبركة وفضلًا على الذين اصطفاهم الله، ففازوا بها وسعدوا.

 

فتح الحديبية فتح في الدعوة وفتح في الأرض:

إنه فتح الدعوة كما قرره الإمام الزُّهْري: فما فتح في الإسلام فتح قبله كان أعظم منه. إنما كان القتال حيث التقى الناس، فلما كانت هذه الهدنة، ووُضعت الحرب، وأمن الناس بعضهم بعضًا والتقوا، فتفاوضوا في الحديث والمنازعة، ولم يتكلم أحد في الإسلام يعقل شيئًا إلا دخل فيه. وقد دخل في تينك السنتين – بين صلح الحديبية وفتح مكة – مثل ما كان في الإسلام قبل ذلك وأكثر.

 

ذكر ابن هشام في سيرته أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الحديبية في ألف وأربعمائة فيما نقله عن جابر رضي الله عنه، ثم خرج في عام فتح مكة بعد ذلك بسنتين في عشرة آلاف. وأي فتح وأي نصر يعادل هذا الدخول في دين الله أفواجًا في زمن قياسي يتحقق من النصر والوفرة في العدد مثل هذا الفتح والنصر في الدعوة إلى دين الله تعالى!

 

فتح الأرض: بعد أن أمن المسلمون حرب قريش بصلح الحديبية اتجه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عدوٍّ قريب هو اليهود وآخر هو باقي مشركي العرب؛ فبادر إلى تخليص جزيرة العرب ممن بقي من اليهود المتمثل في خطر يهود خيبر بعد أن تخلص من مكايد بني قريظة والنضير وبني قينقاع.

 

ولقد أثبتت الأحداث صدق إلهام النبي صلى الله عليه وسلم فيما فعل وأيَّدَه القرآن، وأظهرت عظم الفوائد المادية والمعنوية والسياسية والحربية والدينية التي عادت على المسلمين منه؛ إذ قووا في أعين القبائل، وبادر المتخلفون من الأعراب إلى الاعتذار، وازداد صوت المنافقين في المدينة خفوتًا وشأنهم ضآلة، وإذ صار العرب يَفِدُون على النبي صلى الله عليه وسلم من أنحاء قاصية، وإذ تمكن من إخضاع شوكة اليهود في خيبر وغيرها من قراهم المتناثرة على طريق الشام، وإذ استطاع أن يبعث بسرياه إلى أنحاء قاصية؛ كنجد واليمن والبلقاء، وإذ استطاع بعد سنتين أن يغزو مكة ويفتحها، وكان في ذلك النهاية الحاسمة، ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾ [النصر: 1]، ودخل الناس في دين الله أفواجًا بعد أن أزاح فتح الحديبية الحاجز الذي كان يحول بينهم وبين الدخول في هذا الدين العظيم.





تمت قراءة هذا المقال بالفعل145 مرة!

✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *