اللف والنشر في القرآن
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وبعد:
فسبب اختياري لهذا الموضوع أنَّي قرأت مقالة لأحدهم ذكر اللف والنشر في القرآن، وجعله على نوعين فقط، والصحيح أنه على ثلاثة أنواع، كما سيأتي تفصيله:
اللف والنشر عند أهل البديع هو: من المحسنات المعنوية وهو: أن يُذكَر شيئان أو أشياء، إما تفصيلًا بالنص على كل واحد، أو إجمالًا بأن يؤتى بلفظ يشتمل على متعدد، ثم يذكر أشياء على عدد ذلك، كل واحد يرجع إلى واحد من المتقدم ولا ينص على ذلك الرجوع، بل يفوض إلى عقل السامع رد كل واحد إلى ما يليق به.
وهو بطريقة أسهل: أن تذكر عناوين، ثمَّ تذكر تفصيلها، فذكر العناوين عبارة عن اللف، ثمَّ تفصيلها بعد ذلك يسمى بالنَّشر.
وله ثلاثة أنواع:
النوع الأول: اللف والنشر المرتب: وهو أن تذكر العناوين ثمَّ تتناول تفصيلها الأوَّل فالأوَّل.
مثاله: قَولُ اللهِ تَعَالَى: ﴿ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [القصص: 73].
فقوله تَعَالَى: ﴿ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ ﴾، راجعٌ إلى اللَّيْلِ؛ أَيْ: لِتَسْكُنُوا فِي اللَّيْلِ، وقوله: ﴿ وَلِتَبتَغُوا مِن فَضْلِهِ ﴾ راجع إلى النَّهَارِ؛ أَيْ: وَلِتَبتَغُوا مِن فَضْلِهِ فِي النَّهَارِ، ففي الآية لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرتَّبٌ.
النوع الثاني: اللف والنشر المعكوس: وهو أن تتناول العناوين، ثمَّ تبدأ في التفصيل من الأخير وتعود به إلى الأول.
مثاله: قَولُ اللهِ تَعَالَى: ﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾[آل عمران: 106 – 107].
فِي الْآيَتَين لَفٌّ وَنَشْرٌ معكوس، فقد ذَكَرَ فِي اللَّفِّ الِابْيِضَاضَ قَبْلَ الِاسْوِدَادِ، وَذَكَرَ فِي النَّشْرِ حُكْمَ مَنِ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ قَبْلَ حُكْمِ مَنِ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ.
النوع الثالث: اللف والنشر المشوَّش: وهو أن تتناول العناوين، ثمَّ تفصلها على غير ترتيب، لا من أول عنوان ولا من آخره.
ومثاله في سورة الواقعة، حيث ذكر تعالى أصحاب الميمنة ثمَّ أصحاب المشأمة، ثمَّ السابقون، ثمَّ بدأ التفصيل بالسابقين، ثمَّ أصحاب اليمين، ثمَّ أصحاب الشمال، وذلك في قوله تعالى: ﴿ فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴾ إلى أن قال: ﴿ إِلَّا قِيلًا سَلامًا سَلامًا ﴾ [الواقعة: 8 – 26]، ثمَّ لم يَسِرْ على طريقة اللف والنشر المعكوس فيذكر أصحاب المشأمة؛ بل سار على طريقة اللف والنشر المشوش فذكر أصحاب اليمين فقال: ﴿ وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ ﴾ إلى أن قال: ﴿ وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ ﴾ [الواقعة: 27 – 40]، ثمَّ ذكر بعد ذلك أصحاب الشمال.
وسمي هذا النوع باللف والنشر المشوش؛ لأنه غير مرتب، لا الأول بالأول، ولا بالمعكوس.
هذا وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
تمت قراءة هذا المقال بالفعل14648 مرة!
✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً.
ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق