حين يخبرك الطبيب بإصابتك بمرض ما
حين تبدأ تشعر بأعراض مرض ما وتذهب سريعًا إلى الطبيب، ويقوم بعمل الفحوصات اللازمة لاكتشاف ما تعانيه، ويقرع سمعَك خبرُ إصابتك بمرض ما، أو أظهرت لك التحاليل والأشعة أخبارًا لا تسرُّك، عندها قد تُصاب بصدمة نفسية رهيبة، وتشعر بالإحباط، وتدور في رأسك أفكارٌ لا تُحصى من الهواجس والتوقُّعات التي غالبًا ما يُغذِّيها الشيطان، والمسلم له شأن آخر في التعامل مع كل ما يصيبه في هذه الحياة، ومن بينها مصيبة المرض، فدعني أصِف لك وصفةً علاجيةً نافعةً بإذن الله (روشتة)، أورد بعضها طبيب القلوب ابن القيم رحمه الله، تساعدك هذه الوصفة في تقبُّل هذا الأمر بسلام داخلي ورِضًا تام لتتأقلم بشكل طبيعي حتى تزول عنك هذه المصيبة ويذهب حرُّها:
إنا لله وإنا إليه راجعون:
أولًا: تدبر قول الحق سبحانه: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 – 157]، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: “سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من عبد تصيبه مصيبة، فيقول: ﴿ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 156]، اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرًا منها، إلا أَجَرَه الله في مصيبته، وأخلف له خيرًا منها))، قالت: فلما توفي أبو سلمة، قلتُ كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخلف الله لي خيرًا منه؛ رسول الله صلى الله عليه وسلم”؛ رواه مسلم.
هل فكرت وتأملت في هذه الجملة العظيمة ﴿ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ التي أمرنا بقولها عند المصيبة، وهل فهمت معناها؟! هذه العبارة تتضمَّن أصلينِ عظيمينِ إذا عرفهما العبد وأيقن قلبه بهما تسَلَّى عن مصيبته:
الأصل الأول: في قوله: (إنَّا لله)؛ أي: إن العبد وأهله وماله وصحته وعافيته ملك لله عز وجل حقيقة، وقد جعله عند العبد عارية، فإذا أخذه منه فهو كالمعير يأخذ متاعه من المستعير، وأيضًا فإن هذه النعمة محفوفة بعدمين: عدم قبلها، وعدم بعدها، وملك العبد لها متعة معارة في زمن يسير، وأيضًا فإنه ليس الذي أوجدها من عدمها، حتى تكون ملكه حقيقةً، ولا هو الذي يحفظها من الآفات بعد وجودها، فصحتك وسلامتك لله وكل نعمك من الله، ليس لك منها شيء. والأصل الثاني: في قوله: (وإنا إليه راجعون)؛ أي: إن مصير العبد ومرجعه إلى الله مولاه الحق، ولا بُدَّ أن يترك الدنيا وراء ظهره، ويجيء ربَّه فردًا كما خلقه أول مرة: بلا أهل، ولا مال، ولا عشيرة، ولكن بالحسنات والسيئات، فإذا كانت هذه بداية العبد وما خوله وأعطاه ونهايته، فكيف يفرح بموجود أو يأسى على مفقود، ففكره في مبدئه ومعاده من أعظم علاج حر المصيبة.
المكتوب كائن:
ثانيًا: ومن علاج حر المصيبة أن تعلم علم اليقين أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك؛ يعني أن كل ما وقع لك فهو مكتوب عليك لا مفرَّ منه، حاصل بأمر الله وتقديره، وما لم يكتبه الله عليك من أنواع الشرور والأذى فهو بعيد عنك لن يصيبك مهما حاولت قوى الأرض أن تصيبك بها، قال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [الحديد: 22، 23].
ثالثًا: ومن علاج المصيبة أن تنظر إلى ما أبقى الله لك من النِّعَم المماثلة لما أصابك، وللنِّعَم الأخرى، فتجد أن الله أبقى لك الكثير الكثير وأصابك في القليل جدًّا، وحتى هذا القليل الذي أُصبت فيه سيجزيك الله أضعاف ما أصابك إن صبرت واحتسبت، وعلى المسلم أن ينظر في أمور الدنيا والنعم إلى من هو أقل منه حظًّا كما قال صلى الله عليه وسلم: ((انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر ألَّا تزدروا نعمة الله عليكم))؛ رواه مسلم.
رابعًا: ومن علاج مصيبة المرض أن تنظر إلى أهل المصائب في هذه الدنيا، وتعلم أنه في كل وادٍ بنو سعد، فتتأسى وتتسلى بنظرك في المصابين والمنكوبين والموجوعين، فكل شخص يعيش معاناة، وكل الناس تصيبهم الأمراض والأحزان المنوعة المختلفة، قال ابن مسعود – رضي الله عنه -: “لكل فرحة ترحة، وما ملئ بيت فرحًا إلا ملئ ترحًا”؛ أي: حزنًا، وقال ابن سيرين: “ما كان ضحك قط إلا كان من بعده بكاء” وهكذا هي طبيعة هذه الدنيا.
وقال آخر:
والمرء رهن مصائب ما تنقضي
حتى يوسد جسمه في رَمْسِه
فمؤجل يلقى الردى في غيره
ومعجل يلقى الردى في نفسه
|
للصبر لذة!
خامسًا: ومن علاج المصيبة أن تعلم أن جزعك وتسخُّطك لن يرفعها أو يردها، بل يضاعفها، وأن تعلم أن الجزع يشمت عدوَّك، ويسوء صديقك، ويغضب ربك، ويسر شيطانك، ويحبط أجرك، ويضعف نفسك، وإذا صبرت واحتسبت ألجمت شيطانك وأرضيت ربَّك، فهذا هو الثبات والكمال الأعظم، لا لطم الخدود، وشق الجيوب، والدعاء بالويل والثبور، والسخط على المقدور.
سادسًا: ومن علاج المصيبة: أن تعلم أن ما يعقبه لك الصبر والاحتساب من اللذة والمسرة أضعاف ما كان يحصل لك ببقاء ما أصبت به، ويكفي من ذلك بيت الحمد الذي يُبنى في الجنة لمن فقد ولده فيصبر ويسترجع، فانظر: أي المصيبتين أعظم؟ مصيبة العاجلة، أو مصيبة فوات بيت الحمد في جنة الخلد. وفي الترمذي مرفوعًا: ((يود ناس يوم القيامة أن جلودهم كانت تقرض بالمقاريض في الدنيا لما يرون من ثواب أهل البلاء))، وقال بعض السلف: لولا مصائب الدنيا لوردنا القيامة مفاليس.
سابعًا: ومن علاج المصيبة: أن تعلم أنك مهما جزعت وتضجرت من مصيبتك، فآخر أمرك إلى صبر الاضطرار؛ أي أن تصبر مضطرًّا مرغمًا، قال بعض الحكماء: العاقل يفعل في أول يوم من المصيبة ما يفعله الجاهل بعد أيام، ومن لم يصبر صبر الكرام سلا سلو البهائم. وحين مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر، فقال: ((اتقي الله واصبري))، قالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وسلم، فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم، فلم تجد عنده بوَّابين، فقالت: لم أعرفك، فقال: ((إنما الصَّبْرُ عند الصَّدْمةِ الأولى))؛ رواه البخاري ومسلم.
وخلاصة هذه الوصفة وأساسها أن تتقبل بهدوء ما أصابك وترضى به؛ لأنه من ربك وتصبر عليه، ومسألة القبول مهمة للغاية، ومعناه كما يقول الدكتور (Robert Leahy) في كتابه “Emotional schema“: هو التعامل مع الأشياء كما هي بالضبط لا كما تراها أنت من منظورك الشخصي؛ لذلك تقبَّل مرضك ثم تكيَّف معه وأنت مصطحب الرضا في قلبك، واسمح لنفسك ببعض الضعف الطارئ وسوف تجد السلوى والشفاء بإذن الله
استعمل هذه الوصفة موقنًا بالله، مفوضًا أمرك إليه، مستجيبًا لأمره سبحانه لك بالصبر، وستجني بإذن الله راحة القلب وسلو الفؤاد والسلام الداخلي والطمأنينة في الدنيا، والنعيم المقيم والفوز بجنة الله والأمان الأبدي في الآخرة، جعلني الله وإياك من الصابرين الشاكرين المنيبين.
تمت قراءة هذا المقال بالفعل135 مرة!
✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً.