رييل ستوري | حقوق الصحابة (2)

اعلانات

رييل ستوري | حقوق الصحابة (2)

حقوق الصحابة (2)

 

الحمدُ لله مُعزُّ من أطاعه واتقاه، ومُذل من خالف أمره وعصاه، وفَّق أهل طاعته للعمل بما يرضاه، وحقَّق على أهل معصيته ما قدره عليهم وقضاه، أحمده سبحانه على حلو نعمه ومُر بَلواه.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا رب لنا سواه، ولا نعبد إلا إياه، وهو الذي في السماءِ إله وفي الأرض إله.

 

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ونبيه ومصطفاه فطوبى لمن والاه وتولاه.

 

اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وأصحابه الذين جاهدوا في الله حق جهاده، وكان هواهم تبعًا لهداه، وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد:

 

فما زلنا وإياكم مع الصحابة الكرام، ما زلنا وإياكم مع من مدحهم وأثنى عليهم الملك العلام، ورضي عنهم، فقال: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100].

 

مع الذين وصفهم الله بأنهم رجال يحبون أن يتطهروا، فقال جل وعلا: ﴿ لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾ [التوبة: 108].

 

إن الصحابة هم أبرُّ هذه الأمة قلوبًا، وأعمقَها علمًا، وأقلَها تكلُّفًا، وأقومَها هديًا، وأحسنها خلقًا وحالًا، اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فحبُّهم سنة، والدعاء لهم قُربة، والاقتداء بهم وسيلة، والأخذ بآثارهم فضيلة، فمن كان منكم متأسيًا فليتأَسَّ بهم، فإنهم كانوا على الهدي المستقيم، ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 90].

 

الصحابة الكرام قاموا مع نبيهم المصطفى خير قيام، عزَّروه ونصروه وأيَّدوه، وبذلوا مُهَجهم وأموالهم وأنفسهم في سبيل نُصرته ونُصرة دينه، ففازوا بكل فضيلة وسبقوا الأمة في الخيرية، واستحقوا رضوان الله، فرضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلك الفوز العظيم.

 

أيها الكرام، الحديث عن الصحابة حديث عن صَفوة خلق الله تعالى بعد النبيين عليهم الصلاة والسلام؛ قال تعالى: ﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [النمل: 59].

 

قال ابن عباس رضي الله عنهما: هم أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم.

صلى عليه ربُّ العباد     ما جرت الأقلامُ بالمداد

ومما جاء في فضلهم ما رواه مسلم عن أبي بردة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:النجوم أمنةٌ للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما تُوعَد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يوعَدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعَدون، وهو إشارة إلى الفتن الحادثة بعد عصر الصحابة.

 

وها هو علي رضي الله عنه يصف حال الصحابة، فعن أبي أراكة قال: صليت خلف علي صلاة الفجر، فلما سلَّم انفلَت عن يمينه، ثم مكث كأن عليه الكآبة، حتى إذا طلعت الشمس قال: لقد رأيت أصحابَ محمد، فما أرى اليوم شيئًا يُشبههم، كانوا يصبحون ضُمرًا شُعثًا غبرًا، قد باتوا لله سجَّدًا وقيامًا، يتلون كتاب الله، فإذا أصبحوا ذكروا الله، فهَمِلت أعينهم حتى تبتلَّ ثيابُهم من خشية الله، ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9].

 

أخرج البخاريّ عن أنس رضي الله عنه قال: خرج رسول لله-صلى الله عليه وسلم- إلى الخندق، فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداةٍ باردة، فلم يكن لهم عبيدٌ يعملون ذلك لهم، فلما رأى ما بهم مِن النصَب والجوع، قال: اللهم إن العيش عيش الآخرة، فاغفِر للأنصار والمهاجِرة.

 

لقد خاض النبي -صلى الله عليه وسلم- خمسًا وعشرين معركة في عشر سنين، وهو ما يعني أن كل عام كان فيه معركتان، هذا خلاف السرايا التي كان يرسلها النبي -صلى الله عليه وسلم- والتي تزيد على مائة سرية.

 

فلك أن تتصوَّر حجم التعب والمعاناة والألم والجراح والقتل الذي أصابهم بسبب هذه المعارك والسرايا، لكنه ما دام في سبيل الله، فتهون الدنيا وما فيها من أجله.

 


إنه لا يَصلُح آخرُ هذه الأمة إلا بما صلَح أولها ما كان عليه محمد – صلى الله عليه وسلم- وصحبه.

 

إن النصر لبعيدٌ ما دمنا بعيدين عن نهج محمد وصحبه، وإن النصر لبعيد حين تُدمَّر النفوس ويهان المخلصون، ويُرفَع المجرمون إلى مرتبة الأتقياء، ولا يُسمَع الناصحون، فهل تنفع عندها تلك الطاقات.

 

الصحابة الكرام أنفقوا أموالهم بلا حدود في سبيل الله عز وجل، فأبو بكر يأتي بماله كله، وعمر بنصف ماله، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُعلن: «من يجهِّز جيشَ العسرة وله الجنَّة؟»، فقام عثمان فقال: يا رسول الله، عليَّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حضَّ رسول الله على جيش العسرة مرة أخرى، فقال: يا رسول الله، عليَّ مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حضَّ رسول الله على الجيش، فقال عثمان: يا رسول الله، عليَّ ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، فنزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: «ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم».

 

وتصدق أبو الدَّحاح ببستانه من أجل نخلة في الجنة، وفي غزوة أُحد سقط شهيدًا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: كم من عذقٍ رداح لأبي الدحداح في الجنة، و جاء أبو طلحة فقال: يا رسول الله، الله يقول: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 92]، وإن أحب مالي إليَّ بئرحاء، بستانٌ عظيم، فهي لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وأرضاهم.

 

أفضلُ الصحابة الخلفاءُ الأربعة، ثمَّ بقيَّة العشرة المبشَّرين بالجنة، ثم أهل البدر ثم أهل بيعة الرضوان، ثم بقية الصحابة قال -صلى الله عليه وسلم-: خير هذه الأمَّة بعد نبيها أبو بكر ثمَّ عمر[1]، وقال صلى الله عليه وسلم: اقتَدوا باللّذَين من بعدي: أبي بكر وعمر؛ [أخرجه أحمد (5/ 382)، والترمذي في المناقب، وصححه ابن حبان]، وفي صحيح البخاري عن محمد بن الحنفيَّة أنَّه قال لأبيه عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه: يا أبتِ، مَن خير الناس بعد رسول الله؟ قال: أوَما تعلم يا بنيِّ؟! قلت: لا، قال: أبو بكر؛ [صحيح البخاري: كتاب المناقب (3671) بنحوه].

 

ما حقوق الصحابة علينا؟

أولًا: حبهم:

إن محبةَ أصحابِ رسول الله دينٌ يُدانُ الله به، وقربةٌ يُتَقَرَّبُ بها إلى الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي؛ لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي؛ فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَمَنْ آذَى اللَّهَ فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ؛ [رواه أحمد (5/ 54) والترمذي (3862)، والبيهقي في الشعب (2/ 191)]؛ قال المناوي رحمه الله في فيض القدير: “(الله الله في حق أصحابي)؛ أي: اتَّقوا الله فيهم، ولا تلمزوهم بسوء، (لا تتخذوهم غرضًا): هدفًا ترموهم بقبيح الكلام، (بعدي)؛ أي بعد وفاتي”؛ ا.هــ.

 

وقال – صلى الله عليه وسلم-: لا يحب الأنصار إلا مؤمنٌ، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحب الأنصار أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله؛ [أحمد (4 / 283)].

 

وقال الإمام الطحاوي رحمه الله: نحب أصحاب رسول الله ولا نفرِّط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونَبغض من يبغضهم، ولا نذكُرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبُغضهم كفر ونفاق وطغيان؛ ا.هـ.

 

من أحب الصحابة حُشر معهم، سُئل رسول الله: يا رسول الله، الرجل يحب القوم ولما يعمل عملهم؟ قال: المرء مع من أحب.

 

وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ “قَالَ: لَا شَيْءَ إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ. قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ، قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ؛ [البخاري].

 

لذلك كان السلف يعلمون أولادهم حب الصحابة وسيرتهم؛ قال الإمام مالك رحمه الله: كانوا يعلموننا حب أبي بكر وعمر، كما يعلموننا السورة من القرآن.

 

وجاء رجل إلى الإمام أبي زرعة الرازي رحمه الله، فقال: يا أبا زرعة، أنا أبغِض معاوية، قال: لِمَ؟ قال: لأنه قاتَل عليّا، فقال أبو زرعة: إنّ ربَّ معاوية ربٌّ رحيم، وخصم معاوية خصمٌ كريم، فما دخولك أنت بينهما، رضي الله عنهما أجمعين؛ [رواه ابن عساكر (59/ 141)].

 

الحق الثاني للصحابة الكرام عدم سبهم: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي؛ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ؛ [متفق عليه].

 

وقيل: السبب فيه أن تلك النفقة أثمرت في فتح الإسلام، وإعلاء كلمة الله ما لا يُثمر غيرها، وكذلك الجهاد بالنفوس لا يصل المتأخرون فيه إلى فضل المتقدمين لقلة عدد المتقدمين، وقلة أنصارهم فكان جهادهم أفضل، ولأن بذل النفس مع النصرة، ورجاء الحياة ليس كبذلها مع عدمها”؛ ا.هـ [تحفة الأحوذي].

 

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: مَنْ سَبَّ أَصْحَابِي فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ؛ [الطبراني في الكبير والألباني في الصحيحة].

 

وفي النهي عن سبهم كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَلَمُقَامُ أَحَدِهِمْ سَاعَةً، خَيْرٌ مِنْ عَمَل احدكمِ أَربعين سنة؛ [ابن ماجه وحسنه الألباني].

 

نعم، وقوف أبي طلحة مع النبي صلى الله عليه وسلم في معركة أحُد وهو يقول: نَحْري دون نحرك يا رسول الله؛ موقف خيرٌ من عمل أربعين سنة.

 

في ليلة الهجرة النبوية الشريفة نام على فراش المصطفى ابن عمه البطل الهمام والأسد الضرغام وهو يعلم أن سيوف المشركين تستعد للانقضاض على النائم فوق هذا الفراش، يتغطى ببردته، ويا لها من نومة تحيطها المخاوف والأهوال، ولكن: ﴿ قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 64].

 

موقف خير من عمل أحدنا عمره كله، وقل مثل ذلك في بقية الصحابة الكرام، وكان أبو طلحة رضي الله عنه يقول لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم أُحد: نحري دون نحرك.

 

وفي طلب الشهادة: دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه المسجد والنعمان بن مقرن، يصلي فقعد إلى جنبه، فلما قضى صلاته، قال: إني أريد أن أستعملك، فقال النعمان: أما جابيًا فلا ولكن غازيًا، قال عمر: فأنت غاز فوجهه إلى أصبهان، فلما وصل وجمع جنده قال لهم: إني هاز لوائي ثلاث مرات، فأما الهزة الأولى: فيقضى الرجل حاجته ويتوضأ، وأما الثانية: فينظر الرجل في سلاحه وفي نعله فيصلحه، وأما الثالثة: فاحملوا على العدو، وإني داع بدعوة، فعزمت على كل امرئ منكم لما أمَّن عليها: اللهم إني أسألك أن تقرَّ عيني اليوم بفتح يكون فيه عز الإسلام، وذل يذل به الكفار، ثم اقبضني إليك بعد ذلك على الشهادة، أمِّنوا يرحمكم الله، فأمَّنا وبكينا؛ [حياة الصحابة، مجلد ص 497- 498].

 

وأخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة بدر يُعدِّل الصفوف بقدح في يده، فضرب بطن سواد بن غزية، وقال: «استوِ يا سواد»، فقال سواد: يا رسول الله, أوجعتني, فأقدني, فكشَف عن بطنه وقال: «استقِد»، فأعتنقه سواد, وقبَّل بطنَه, فقال: «ما حَملك على هذا يا سواد؟»، قال: يا رسول الله, قد حضر ما ترى, فأردت أن يكون آخر العهد بك، أن يَمَسَّ جلدي جلدك, فدعا له رسول الله بخير؛ [رواه ابن إسحاق في سيرته، سيرة ابن هشام (2/ 626)].

 

بالله عليكم إخوة الإيمان حدِّثوني عن أصحاب دين افتدَوه بمثل هذه البطولات.


 

ثالثًا: من حقوق الصحابة عدم ذكر مساوئهم:

فنحن نسمع بين الفينة والأخرى من يذكُرهم بسوء، أو يذكر الخلافات التي دارت بينهم، وذلك من أجل التشكيك في عدالتهم ونزاهتهم، وهذا منهي عنه شرعًا؛ قال الإمام أحمد رحمه الله: “لا يجوز لأحدٍ أن يذكر شيئًا من مساوئهم، ولا يَطعن على أحدٍ منهم بعيبٍ ولا نقصٍ، فمَن فعَل ذلك فقد وجَب على السلطان تأديبُه وعقوبته”؛ [طبقات الحنابلة والصارم المسلول].

 

سُئل عمر بن عبد العزيز عن القتال الذي حصل بين الصحابة، فقال: (تلك دماء طهَّر الله أيدينا منها، أفلا نطهر منها ألسنتنا؟ مَثَلُ أصحاب رسول الله مَثَلُ العيون، ودواء العيون تركُ مسِّها)؛ [صون المنطوق للسيوطي ص134].

 


رابعًا: من حقوق الصحابة الترضِّي والترحم عليهم:

ففي كل ذكرٍ لهم نترحم عليهم، وندعو لهم؛ قال الله عز وجل: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].

 

فلم نؤمَر إلا بالاستغفار لهم، فمن سبَّهم أو تنقَّصهم، أو تنقَّص أحدًا منهم، فليس على السنة، وليس له في الفيء حقٌّ، أخبرنا غيرُ واحد عن مالك بن أنس”؛ ا.هـ [الحميدي: أصول السنة: 2/ 546، آل عبد اللطيف: نواقض الإيمان 406].

 

خامسًا: من حقوق الصحابة مطالعة سيرهم وتضحياتهم، وتعليمها لأبنائنا؛ لتعلو هِممُهم، وتتحرك عزائمهم نحو إرضاء الملك العلام؛ يقول ابن الجوزي: “فسبيل طالب الكمال في طلب العلم: الاطلاع على الكتب التي قد تخلَّفت من المصنفات، فليُكثر من المطالعة؛ فإنه يرى من علوم القوم وعلو هممهم ما يَشحذ خاطره، ويحرِّك عزيمته للجد، وما يخلو كتاب من فائدة…

 

فالله الله وعليكم بملاحظة سير السلف، ومطالعة تصانيفهم وأخبارهم، فالاستكثار من مطالعة كتبهم رؤية لهم”،. إلى أن قال: ” فاستفدتُ بالنظر فيها من ملاحظة سِيَر القوم، وقدر هِممهم، وحِفظهم وعباداتهم، وغرائب علومهم – ما لا يعرفه مَن لم يطالع، فصرتُ أستزري ما الناس فيه، وأحتقر همم الطلاب”؛ (صيد الخاطر).

 

سادسًا: من حقوق الصحابة الدفاع عنهم:

فكم من جاهلٍ ناعق بين الحين والحين، يخرج على فضائية أو إعلام يسب الصحابة العدول رضي الله عنهم، أو يطعن فيهم، وينبغي على كل فرد – ولا سيما العلماء والدعاة إلى الله – أن يدافعوا عنهم، فعن إبراهيم العذري قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: « يحمل هذا العلم من كل خلف عدولُه، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين»؛ [البيهقي وصححه الألباني].

 

اللهم إنا نُشهدك على حبِّ صحابة نبيك؛ فاحشُرنا معهم وفي زمرتهم.

اللهم انتقِم لصحابة نبيك ممن ينتقص منهم، ويسيء إليهم يا رب العالمين.

وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم.


[1]هذا الكلام ثابت عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه من طرق كثيرة، منها ما أخرجه البخاري في المناقب (3671)، وأما المرفوع فقد أخرج البخاري في المناقب (3655) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا نخيّر بين الناس في زمن النبي فنخيّر أبا بكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان رضي الله عنه ولفظ أبي داود في السنة (4628): كنا نقول ورسول الله حيّ: أفضل أمة النبي بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان رضي الله عنه أجمعين، زاد ابن أبي عاصم في السنة (1193)، وعبد الله بن أحمد في السنة (1357)، والخلال في السنة (578)، والطبراني في الكبير (12 / 285) وغيرهم: ويسمع ذلك النبي فلا ينكره، وصححها الألباني في ظلال الجنة ( 2/ 568).



تمت قراءة هذا المقال بالفعل137 مرة!

✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *