روبة ابنة القهر واليتم ، عاشت وحيدة منذ أن أغمض والداها أعينهما على دنيا لا ترحم . تركاها في بيت الإخوة ، وبدل أن يكونوا لها سندا، صاروا قيدا لها ، يضايقونها ويقهرونها . بلغت ربيعها السادس عشر، ومن غير رغبة منها ، زُفّت إلى رجل يُدعى صفوان؛ رجل جشع بخيل، لا يعرف في قلبه غير القسوة، ولا في عينيه سوى شرارة التسلّط .
أسكنها في كوخ على أطراف الغابة، بعيدا عن الجيران والمعارف، كأنّما أراد أن يدفنها حيّة، بعيدا عن أعين البشر. كانت وحدها في سنواتها الأولى، تصحو قبل الفجر، تكنس الكوخ البالي، تحلب عنزاتها القليلات، وتغزل من بقايا الصوف ما يجود به بعض المحسنين عليها. لم يرزقها الله أطفالا، فزاد ذلك وحدتها، وصارت تنام إلى جوار صمتها الطويل . ذات صباح، وبينما هي في طريقها إلى نبع العين في طرف الغابة، لمحت بقايا حائط منهار، حجارةٌ متهدّمة ملتصقة بالتراب، كأنّها بقايا بيت منسيّ أو سور هُجر منذ دهر. جلست عنده، وأخذت تفضي بما في صدرها :
ــــ أيها الحائط العجوز… كم أنت تشبهني؟ أنت مثلي، مهجور، متصدّع، لا يحنو عليك أحد. أخوتي ظلموني، وزوجي قاس يطفئ نور أيامي. آه لو كان لي قلب أستند إليه… لكنّني وحدي، وحدي يا حجارة باردة .
منذ ذلك اليوم، صار الحائط صديقها الوحيد ، مستودع سرّها وحارس دمعتها. كل صباح، بعد أن تملأ جرّتها من العين، تجلس قبالته وتبكي وتتكلم . لكنّ الأعين في الغابة لا تنام… لمحها أحد الرعاة يوما وهو يمر بالحائط، حدّق طويلا بها وهي تحدّث الحائط ، فمضى وهو يبتسم بخبث وسوء ظنّ. راقبها أيّاما حتى عرف أين تجلس، ثمّ مضى إلى زوجها يخبره بما تهيأ له :
ــــــ امرأتك يا صفوان حمّالة إثم ، جالبة عار ، ولولا أنّك عزيز لما أخبرتك .
ثار صفوان وامتعض من كلامه وقال مهدّدا :
ـــــ ماذا تقول أيها الحقير ؟ أتنهش في عرضي ؟!
حاول تهدئته وقال :
ـــــ زوجتك تخونك ، ليست وحدها. كل يوم تجلس عند الحائط، تكلّم رجلا يختبئ خلفه .
اشتعل الشك في قلب صفوان، وهو الذي لم يعرف يوما معنى للرحمة. راقبها خفية، تبع خطواتها حتى النبع. رآها تحمل الجرّة، تملؤها ماء، ثم تعرج على الحائط كعادتها، تجلس وتهمس.
يهمس صفوان :
ـــــ أهذا ما تفعل إذن؟ تخونني تحت ستار الغابة ! لن أتركها تعبث بكرامتي. سأكسر عنقها وعنق من معها.
اقترب وفي يده عصاه الغليظة، متهيّئا للبطش. وعندما وصل لم يجد غير زوجته تحدّث نفسها ، ضرب الحائط بعصاه ، فتهدّم آخر ما بقي من حجارته ، وانفجر دودا . توقّف،وعيناه تضيقان في دهشة. الحجارة كانت يابسة تنفث دودا أبيض يخرج من الشقوق، كأنّ قلبا متآكلا انفضح.
ارتجفت يداه، وسقطت عصاه أرضا. نظر إلى زوجته، فوجدها تجلس تبكي أمام الجدار، لا رجل معها، لا خيانة ولا سرّ. فقط امرأة وحيدة تكلّم خرابا يشبه خراب حياتها. وزوجا جعلها تذبل وتتخذ من الحجارة ملجأ وونيسا . ولأول مرة في حياته، أحسّ صفوان أن المرأة التي أهملها وتركها تموت ببطء، لم تكن تخون، بل كانت تبحث عن قلب تسمع منه كلمة حنان. رأى أن الحائط الذي تبكيه لم يكن إلا مرآة لروحها ، جدارٌ مهدّم، مسكون بالخراب، متآكل بالدود .يعكس حال
قلبها.
#ليلى #تباني #حائط #المبكى.. #ثم #قست #قلوبهم
[ad_2]✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً.
ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق













اترك تعليقاً