رييل ستوري | ما جاء في رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم

اعلانات

رييل ستوري | ما جاء في رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم

مدارسة كتاب “الشمائل المحمدية” للترمذي رحمه الله

55- باب ما جاء في رُؤْيَةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم

 

من حُسن صنيع المصنف رحمه الله أنه بدأ الكتاب بذكر صفات النبي صلى الله عليه وسلم الخَلقِية، ثم ختم الكتاب بالرؤية، وضابطُ هذه الرؤية: العلمُ بصفاته صلى الله عليه وسلم؛ فمن لم يكن على معرفةٍ بشمائله وصفاته فلا يمكن أن يتحقق أنَّ الذي رآه هو النبي صلى الله عليه وسلم.

 

فإنَّ تخَيُّل تلك الأوصاف الخَلقِية، تُقرِّبُ إلى رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام؛ كما في الحديث الذي سيأتي: ((مَن رآني في المنامِ فقدْ رآني؛ فإنَّ الشيطانَ لا يَتمثَّلُ بِي))؛ قال العلماء: إن رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام ممكنة، على الوجه الذي ورد في شمائله صلى الله عليه وسلم من طوله، ولونه، وهيئته، ولحيته، وغير ذلك.

 

وهذا الباب قد زَلَّت فيه أقدام، وضَلَّت فيه أقوام؛ فكم من أُناس ادَّعوا رؤيته صلى الله عليه وسلم، وهم كاذبون؛ ولذلك قال العلماء: كلُّ من قال: رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، يُنظَرُ في الأوصاف التي ذكرها هل تُطابق أوصاف الشمائل أم لا؟

 

1- عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: ((مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لا يَتَمَثَّلُ بِي))؛ [رواه الترمذي، وابن ماجه، صحيح]. ((مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ)): يعني في صورة النبي صلى الله عليه وسلم التي تُعرَفُ.

 

2- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لا يَتَصَوَّرُ)) أَوْ قَالَ: ((لا يَتَشَبَّهُ بِي))؛ [متفق عليه].

 

وفي رواية: ((من رآني في المنام فَسَيَرَانِي في اليَقظة)).

 

قوله: ((فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لا يَتَمَثَّلُ بِي)) ((لا يَتَصَوَّرُ بِي)) ((لا يَتَشَبَّهُ بِي)) وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم؛ أن الشيطان لا يَتَمَثَّل به.

 

وهذا معناه: أن الشيطان يُمكِنُ أن يتمثَّلَ في المنام بغيره صلى الله عليه وسلم، وأن الله تعالى جعل له قدرة على ذلك.

 

اختلف العلماء في بيان معنى هذا الحديث، على عدة اتجاهات:

الأول: أن المراد به: أهل عصره، ومعناه أن من رآه في النوم ولم يكن هاجر يوفقه الله تعالى للهجرة ورؤيته صلى الله عليه وسلم في اليقظة عيانًا.

 

الثاني: أن الذي يظهر له في المنام هو النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة؛ أي: في عالم الروح، وأن رؤياه صادقة، بشرط أن يكون بصفته المعروفة صلى الله عليه وسلم.

 

الثالث: أنه يرى تصديق تلك الرؤيا في اليقظة في الدار الآخرة؛ رؤية خاصة في القرب منه وحصول شفاعته، ونحو ذلك.

 

3- عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي))؛ [رواه أحمد].

 

وهذا النوع من الرؤيا لا تحتاج إلى تبيين أو تأويل، فهي صادقة؛ بشرط أن تكون هي أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم.

 

4- عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لا يَتَمَثَّلُنِي))، قَالَ كُلَيْب: فَحَدَّثْتُ بِهِ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقُلْتُ: قَدْ رَأَيْتُهُ فَذَكَرْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، فَقُلْتُ: شَبَّهْتُهُ بِهِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّهُ كَانَ يُشْبِهُهُ؛ [رواه أحمد].

 

5- عَنْ يَزِيدَ الْفَارِسِيِّ [وَكَانَ يَكْتُبُ الْمَصَاحِفَ] قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَامِ زَمَنَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّوْمِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَشَبَّهَ بِي؛ فَمَنْ رَآنِي فِي النَّوْمِ فَقَدْ رَآنِي))، هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْعَتَ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّوْمِ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَنْعَتُ لَكَ رَجُلًا بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، جِسْمُهُ وَلَحْمُهُ أَسْمَرُ إِلَى الْبَيَاضِ، أَكْحَلُ الْعَيْنَيْنِ، حَسَنُ الضَّحِكِ، جَمِيلُ دَوَائِرِ الْوَجْهِ، قَدْ مَلَأَتْ لِحْيَتُهُ مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ قَدْ مَلَأَتْ نَحْرَهُ، قَالَ عَوْفٌ: وَلا أَدْرِي مَا كَانَ مَعَ هَذَا النَّعْتِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوْ رَأَيْتَهُ فِي الْيَقَظَةِ مَا اسْتَطَعْتَ أَنْ تَنْعَتَهُ فَوْقَ هَذَا؛ [رواه أحمد، وابن ماجه].

 

6- قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ رَآنِي -يَعْنِي فِي النَّوْمِ-، فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ))؛ [متفق عليه].

 

7- عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: ((مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لا يَتَخَيَّلُ بِي)). وَقَالَ: ((وَرُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ))؛ [رواه البخاري]، والمقصود بها الرؤيا الصالحة.

 

8- قَالَ عَبْدُالله بْنُ الْمُبَارَكِ رحمه الله: “إذا ابْتُلِيتَ بِالقَضَاءِ فَعَلَيْكَ بِالأَثَرِ”؛ أي عليك بالحديث المرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم؛ أراد المصنف رحمه الله أن يبين مكانة الأثر، ومكانة الروايات المُسندة؛ ولعل في ذلك ردًّا على من يعتمدون على المنامات.

 

9- عَنِ ابْنِ سِيرِينَ رحمه الله قَالَ: “هَذا الْحَدِيثُ دِينٌ، فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ”.

 

فليس كُلُّ من يَروى الأحاديث تُقبل روايته؛ بل لا بد أن يتأكد من عدالته وضبطه.

 

وختم المصنف رحمه الله الكتاب بهذينالأثرين؛ ليُنبِّه على أن المسلم في دراسته للشمائل، أو باب من أبواب العلم، يجب عليه أن يعتني بالآثار الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

 

ونختم بهذه الوقفات المهمة:

الوقفة الأولى: يقول العلماء: لا يلزم من عدم الرؤيا له عدم صلاح الشخص، ولا يلزم أيضًا من شدة التقوى والمتابعة رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم، فالأمر في النهاية توفيق من الله تعالى، وفضل من الله يؤتيه من يشاء.

 

الوقفة الثانية: فوائد رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام: قال العلماء: رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام بشارة عظيمة للرائي، وهي تدل على محبة صاحبها وشوقه إلى رؤياه صلى الله عليه وسلم؛ ففي الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بي))، قال ابن حجر رحمه الله في شرحه للحديث: “ومن فوائد رؤيته صلى الله عليه وسلم تسكين شوق الرائي؛ لكونه صادقًا في محبته ليعمل على مشاهدته، وإلى ذلك الإشارة بقوله فسيراني في اليقظة”.

 

الوقفة الثالثة: الأسباب الموصلة إلى رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام: قال العلماء: إن من أراد رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم فعليه بما يأتي:

أولًا: لا بد من طاعة الله تعالى ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فكلما كان الإنسان أتقى لله وأكثر اتِّباعًا لسُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان توقع رؤياه للنبي صلى الله عليه وسلم أكثر احتمالًا من غيره.

 

ثانيًا: أن يُكثِر من الصَّلاة عليه صلى الله عليه وسلم ولا يسأم من ذلك، ففضل الصَّلاة كبير عظيم لا يدركه إلا أولو الألباب العارفون المستبصرون، ولا يخفى على المسلمين ما ورد في فضلها.

 

ثالثًا: أن يستشعر عظمته ومحبته صلى الله عليه وسلم في قلبه، وليدرك احتياج روحه إليه احتياج السمكة لماء البحر، فكيف لهذه السمكة أن تعيش بدون ماء، وكيف للنبتة أن تعيش بدون سقاء.

 

وفي الأثر:ما رُوي من قصة بين العالم وأحد طلابه يسأله عن رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم، فدعاه الى بيته وجهَّز له الطعام، وجعله شديد الملوحة، وحرمه من شرب الماء، حتى إذا أوى طالب العلم إلى نومه، لم يرَ في منامه سوى الأنهار والبحار، فلامست رؤياه حاجة نفسه، وتَوقها للماء الذي حُرم منه طوال يومه، وكذلك رؤيا النبي عليه الصَّلاة والسَّلام لا تتأتَّى إلا بمثل ذلك، فمن كان شوقه للنبي صلى الله عليه وسلم ورؤياه كحال ذلك الرجل حين اشتاق إلى الماء حين حُرم منه، فمن كان حاله كذلك وأكثر مع طاعة الله، والتزام أوامره واجتناب نواهيه، رأى الرسول صلى الله عليه وسلم بإذن الله، جعلنا الله وإياكم ممن يكرم برؤيا نبيه، إنَّه وليُّ ذلك والقادرُ عليه.

 

الوقفة الرابعة: لا ينبني على رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام أي تكليف شرعي.

 

وجمهور العلماء اتفقوا على أنَّ أي شيء مما ينتج عن الرؤيا إذا خالف الشريعة فهو مردود، وإن وافقها فهو أمارة يستأنس بها، وإن لم يوافقها ولم يخالفها جاز العمل بها.

 

قال النووي رحمه الله: “إن الرائي وإن كانت رؤياه حقًّا؛ لكن لا يجوز إثبات حكم شرعي بما جاء فيها؛ لأن حالة النوم ليست حالة ضبط وتحقيق لما يسمعه الرائي، وقد اتفقوا على أن من شروط من تقبل روايته وشهادته: أن يكون متيقظًا؛ لا مغفلًا، ولا كثير الخطأ، ولا مختل الضبط، والنائم ليس بهذه الصفة، ولو كان الذي يرى الرسول عليه الصلاة والسلام فعلًا قد رآه حقًّا، كأن يكون صحابيًّا”.

 

في إحدى السنوات تراءى الناس الهلال (هلال رمضان) فلم يروه، فجاء رجل إلى قاضي البلد يقول له: “لقد رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم البارحة في المنام، وأخبرني أن الليلة من رمضان، وأمرني والمسلمين بالصيام”، فقال له القاضي: “إن الذي تزعم أنك رأيته في المنام، قد رآه الناس في اليقظة جهارًا نهارًا، وقال لهم: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته))؛ فلا حاجة بنا إلى رؤياك”.



تمت قراءة هذا المقال بالفعل129 مرة!

✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Ads Blocker Image Powered by Code Help Pro

يُرجى السماح بعرض الإعلانات على موقعنا الإلكتروني.

يبدو أنك تستخدم أداة لحظر الإعلانات. نحن نعتمد على الإعلانات كمصدر تمويل لموقعنا الإلكتروني.