رييل ستوري | ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله))
من معاني حديث ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله))
قال الزُّهْري: ﴿ وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ ﴾ [النساء: 75]، قال: في سبيل الله وسبيل المستضعفين.
قال الله تعالى: ﴿ وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا ﴾ [النساء: 75].
هذا النوع من القتال داخل في جهاد الدفع، فجعل الله القتال في سبيل إنجاء المستضعفين من المؤمنين كالقتال في سبيله، وكلاهما مأمور به.
جهاد دفع الأعداء واجب في كل حال ولو كانت نية المدافع يشوبها شيء من قِلَّة الإخلاص لله أو حب الانتقام من الأعداء؛ بل إن النبي صلى الله عليه وسلم في جهاد الطلب حينما علم أن رجلًا من جنوده لم يقاتل خالصًا لله، وأنه كان منافقًا وأنه في النار؛ فأثخن في الأعداء ما لم يثخن فيهم غيره؛ فلم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: جنِّبوه لا يقاتل معنا، ولم يدعْه لينصحه أن يصلح نيَّته؛ بل جعله يثخن في الأعداء حتى أصابته جراحة، فعاجل بنفسه فقتلها؛ فصار في النار.
أحيانًا حينما تريد أن تقول للناس عند المطالبة بأداء الأعمال الواجبة: اعملوها لله خالصة على التمام، وإلا فاتركوها خير لكم؛ قد يؤدي ذلك إلى تركها.
على سبيل المثال: (الصدقة) حينما يكون في الناس مجاعة، لو حرضت الناس على التصَدُّق لكن بشرط الإخلاص لله تعالى؛ فقد يترك بعضهم التصَدُّق وبعضهم يتصَدَّق بالقليل؛ لأن النية لم تصلح وما زال فيها رياء.
والصحيح أن تدعوهم للإنفاق ولو صرحوا بأنها رياء ومفاخرة؛ لأن ذلك يتعلق به حق عليهم لإخوانهم؛ فالمقصود أن يرفعوا عن إخوانهم الجوع. والنية تتعلق بهم خاصة يصلحونها أو يفسدونها، هذا أمر لهم أو عليهم.
ذكر ابن مفلح في كتاب الآداب الشرعية: أنه يجوز أن يُحرج البخيلُ ليُخرَجَ منه مال للفقراء، فيخرج منه المال بإحراج وليس عن طيب نفس ونية صالحة؛ لأن ذلك واجب عليه تجاه إخوانه.
كذلك قل هذا في كل عمل واجب، ومنه جهاد دفع الأعداء ورد كيدهم؛ يراد منه الإثخان في العدوِّ والانتقام للمستضعفين من المؤمنين، فإذا حصل هذا فقد سعيت لإعلاء كلمة الله تعالى.
هل تعلم أن دفع العدوِّ عن أخيك المسلم هو من إعلاء كلمة الله تعالى؟! لأنه قد علا جسد أخيك على جسد الكافر، فإذا علا جسد مسلم يحمل كلمة التوحيد في قلبه وعمله ولسانه، فقد عَلَتْ كلمةُ الله تعالى.
هل تعلم أن استرداد أرض أهل الإسلام حتى يكونوا هم الغالبين عليها هو من إعلاء كلمة الله تعالى؟! فلا تفهم الجهاد لإعلاء كلمة الله في أمر واحد فقط؛ بل هو واسع يدخل فيه غلبة الإسلام وكل ما يتصل بهذا الدين من أرض وبشر ومبادئ.
ومما يزيد هذا الأمر وضوحًا أن الإسلام لا يتحوَّل إلى دين عملي إلا في أرض وأشخاص، فإذا استُضعِف الأشخاص وسلبت الأرض، فكيف يتم تطبيق الإسلام حتى تكون كلمة الله هي العليا؟!
ولهذا هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من أرض لم يُقم فيها الإسلام ظاهرًا إلى أرض يُقدر أن يقام فيها الإسلام، وأول ما وصل المدينة صارت الكلمة العليا لدين الله تعالى. ولم يكتفِ النبي صلى الله عليه وسلم بهجرة أصحابه إلى دار الحبشة رغم أن أصحابه قد أمِنوا على أنفسهم وأموالهم، وصاروا تحت ملك لا يظلم عنده أحد (لاجئين يعيشون بعز وكرامة).
فكانت الهجرة الحقيقية هي للخروج من الاستضعاف وإيجاد أرض يكون الإسلام فيها عاليًا.
فسنة مدافعة العدوِّ هي إعلاء لكلمة الله تعالى، فمن قاتل عدوًّا يدفعه عن عرض وأرض ونفس واحدة من أنفس أهل الإسلام، فقد قاتل لتكون كلمة الله هي العليا.
وهذا القرآن الكريم شاهد على هذا؛ فأول ما شرع الله القتال قال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [الحج: 38]، وفي قراءة “إن الله يدفع عن الذين آمنوا”، ثم قال بعد هذه الآية: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا… ﴾ [الحج: 39] إلى أن قال: ﴿ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ… ﴾ [الحج: 40]، ثم قال: ﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا… ﴾ [الحج: 40]، فجعل مدافعة العدوِّ هو مقصد القتال الذي شرعه، ثم قال: ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ﴾ [الحج: 40]، فكان الانتصار للمظلومين والحفاظ على المساجد هو نصرة لله تعالى، ونصرة الله هي إعلاء كلمته.
ولهذا لما سأل بنو إسرائيل نبيًّا لهم من بعد موسى أن يجعل لهم ملكًا يقاتلون تحت رايته، قالوا: ﴿ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 246]، فما هو القتال في سبيل الله الذي أرادوه هو ما ذكروه بعد ذلك: ﴿ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا… ﴾ [البقرة: 246]؛ أي: إن القتال في سبيل الله هو الانتقام من العدوِّ واسترداد ما أخذه منا؛ فذكر الله القصة كلها حتى ذكر قتل داود لجالوت فقال بعد ذلك: ﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ ﴾ [البقرة: 251]، فتبيَّن من الآيات هذه أن هذا الجهاد في سبيل الله كان جهاد مدافعة عدوٍّ صائل على أموال وأعراض.
فكان قتال داود وقتال جالوت ومن معهم من الجنود الأخيار في سبيل الله، وكان المقصد دفع الأعداء كما بيَّنَتْه القصة.
فعليه أن يُعلم علم يقين أن دفع أي كافر ظالم معتدٍ هو في سبيل الله ولإعلاء كلمة الله، ويا سُعْدَ من اختار الله له قتالًا! كما اختاره لداود عليه السلام حتى استحق به أعظم منزلتين للبشر وهي النبوة والملك العادل: ﴿ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ [البقرة: 251]، فتبيَّن من هذا أن دفع الأعداء عن الأوطان الإسلامية والأموال الإسلامية جهاد في سبيل الله بل ولإعلاء كلمة الله تعالى.
فمجرد الإضرار بمن أضَرَّ بأهل الإسلام وبدار الإسلام يُعَدُّ هذا جهادًا شرعيًّا في سبيل الله تعالى.
والله الموفِّق.
تمت قراءة هذا المقال بالفعل181 مرة!
✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً.