“سمير” رجل ناجح ومتزن، في منتصف الأربعينات، معروف بين الجميع بطبعه الهادئ.
يشغل منصبًا كبيرًا في شركة كبرى.
تبدو حياته للكثيرين كحلم جميل.
فيلا فاخرة،
سيارة أحدث موديل ،
رصيد كبير في البنك،
زوجة جميلة، وأبناء متفوقون دراسيًا.
لكن خلف هذا السطح الهادئ، كان سمير يحمل سرًا عميقًا، سرًا حاول طوال سنوات أن يخبئه بعيدًا عن الأعين، وربما حتى عن نفسه.
حتى ظهر ياسر، زميل سمير في العمل.
وهو شخص فضولي بطبعه.
ياسر جعل يلاحق الألغاز التي تحيط بحياة سمير.
كان ذكيًا، ولديه قدرة غريبة على قراءة ما وراء الكلمات والمظاهر.
ظل يراقب سمير في صمت، حتى بدأ يلحظ بعض التناقضات في سلوكه، تلك التفاصيل الصغيرة التي جعلت كل شيء يبدو غير طبيعي.
قرر ياسر أن يقترب أكثر من الحقيقة.
ابتسم في وجه سمير وقال له: هل يمكننا أن نتحدث قليلا عن الماضي؟”
كانت عيناه تلمعان بدهاء، وكان يعرف أن هذا السؤال سيحرك شيئًا داخل سمير.
شعر سمير بشيء ثقيل يضغط على صدره، كما لو أنه سيغرق في بحر من الذكريات التي لا يمكن الفرار منها.
بدأ يتنفس بسرعة، وسرعان ما شعر بجفاف في حلقه.
كانت رائحة الحقيقة تقترب منه،
رائحة ماضيه الذي حاول دائمًا التخلص منه.
“لا تقترب من هذا!”
هكذا قال سمير بصوت مرتجف، لكن ياسر لم يبالِ بكلماته.
كانت الحقيقة تقترب من كل زاوية في عقله، وعاد ليتذكر الأيام التي عاشها في الخفاء، في الظلام، في الخوف.
ثمة شيء في ماضيه سيغير كل شيء لو اكتشفه أحدهم.
“أنا لا أعرف ماذا تعني!”
هكذا تابع سمير محاولًا تدارك الموقف، لكن صوته بدا متقطعًا كما لو كان يهرب من شيء غير مرئي. وعيناه اللتان اعتاد الجميع أن يراها باردة ومحايدة، بدأتا تنبضان بالخوف.
ثم فجأة، بدأ يشعر بنوبات من الهلع تتسارع في قلبه. كانت الحقيقة تتسرب إليه مثل سمٍ بطيء، كلما حاول دفعها بعيدًا، كلما اقتربت منه أكثر.
“ابتعد عني!”
هكذا صرخ سمير، مستحضرًا طاقة غريبة، وأخذ يلوح بذراعيه في الهواء وكأنما يحاول دفع شيء غير موجود.
في تلك اللحظة، تجلى في ذهنه شريط طويل من الذكريات القاسية: الفشل، والخيبة، والأشياء التي حاول طوال حياته أن يخبئها عن العالم.
شعر وكأن الأرض تهتز تحت قدميه، وعيناه بدأتا تتسارعان في الحركة،
كأن الهلاوس بدأت تهاجمه.
كانت الأفكار تتناثر داخل عقله بشكل غير مرتب، ويشعر بكل شيء ينهار من حوله.
صاح:
“أنت لا تعرف!”
ثم بدأ يصرخ.
تراجع خطوات إلى الوراء، كما لو أن شيئًا ثقيلًا كان يضغط عليه.
كان ياسر يقف أمامه، يحاول استيعاب ما يحدث.
لكن سمير كان في حالة شديدة من الاضطراب، وكأن شيئًا عظيمًا في داخله قد تم كسره.
ورغم كل محاولات ياسر لتهدئته، إلا أن سمير كان يتلاشى في صراخه،مهاجما كل شخص يحاول الاقتراب منه.
كانت الحقيقة قد بدأت تُزكم أنفه وتحبس أنفاسه، وكلما حاول الهروب منها، كلما أصبحت أكثر حضورًا في عقله.
تدريجيًا، بدأ ياسر يدرك أن
سمير ضحية الماضي الذي يطارده، وكلما اقترب منه أحد، كلما دفعه ذلك إلى الهجوم، وكأن الحقيقة باتت عدوًا يراه في كل شيء.
في الهواء، في الكلمات، في الأنفاس.
وأدرك ياسر أخيرًا، أن رائحة الحقيقة قد تكون أقوى من أن تتحملها النفس البشرية.
غادر ياسر المكان، بينما ظل سمير في مكانه، يتنفس بصعوبة، محاولًا إعادة بناء بعض الجدران التي تم هدمها.
#شريف #محيي #الدين #إبراهيم #رائحة #الحقيقة..
تمت قراءة هذا المقال بالفعل22499 مرة!
✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً.
ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق