توافدوا على بسطتها: ترامسُ شايٍ وقهوةٍ وأكوابٌ وأوراق نعناع وحبق، كل هذا على طاولة بلاستيكية يغطيها قماشٌ بنيّ متهالك، هذه بضاعتها ، طابور من الرجال ينتظرون الدور متباعدين منعًا للحرج عند الدفع.
كانت رياحُ فبرايرَ الباردةُ تهبّ قوية منذ أيام، وتكاد تعصف بالأشياء المتواضعة أمام البائعة خفيضة الصوت، لم يسأل أحد عن السعر ولا عن الظروف القاسية، لم ..ولم..
الأول دفع أكثر مما توقعت، وغادر دون أخذ الشاي، الثاني دفع خمسة ريالات وطلب الكوبَ خاليا، أخذه ومضى.
تثبّت الثالثُ من مكان وقوفه قريبًا ..و دعا لها بالرزق:
” فأنتِ تحافظين على نقابك وعفافك في هذا اليوم العاصف ”
همست شاكرة بصوت لا يكاد يسمع ، ورأت ثلاثة ريالات معدن يضعها في راحة يدها التي يغطيها قفّاز أسود.
وقف الرابع بتثاقل أمامها، وكمن يفتح تحقيقا عن نوع الشاي:
“تلقيمة أو عادي” لا اختيار لها في الصمت، ومع هذا واصل:
والحبق من المدينة ؟ ثمّ بنبرة شبه ساخرة:
يمكن من المزارع القريبة..؟”
انتهره صوت حاد من ورائه:
” توكل على الله.. لم يبق إلا أن تسألها: شبكة ولّا كاش؛ يا مسلم استحي!”
فوجئ بالتوبيخ ينهال عليه من ورائه، فمضى إلى سيارته يعوي دون التفات، و تتابعت الحركة منسابة، وكأنما هناك روح طيبة تنتظم القادمين إلى المكان: إلى البسطة التي لم تسمّها أمُّ محمّد بأي اسم، فحتى اللوحة الخشبية ستكون مكلّفة في هذه الأيام.
تأخذ الريالات من الزبائن، وتخبّئها سريعًا وبمهارة وراء اللباس الطويل المتدلي من رأسها إلى وسط خصرها، لا تتحرّك كثيرًا ، فالخير وفير هذا اليوم، على الرغم من أنها لم تسكب شيئًا لأحدهم حتى الآن..
اقترب التالي في الدور، ربما يكون الخامس أو السادس من الزبائن المبكرين في عصريّة اليوم ، بحركة مفاجئة، رفع حافظة الشاي، و حين هزّها وجدها فارغة! لكنّ الزبائن لا زالوا يأتون و( البيع) مستمر.
#ظافر #الجبيري #طابور #المرأة #الصامتة
تمت قراءة هذا المقال بالفعل23273 مرة!
✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً.
ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق