توزيع الزكاة ومعنى “في سبيل الله” في ضوء القرآن والسنة
المقدمة:
الزكاة ركن أساسي من أركان الإسلام، وهي نظام اقتصادي مهمٌّ في الشريعة الإسلامية، دورها لا يقتصر على مساعدة المحتاجين فحسب، بل تهدف أيضًا إلى تطهير أموال المزكِّي، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ومع ذلك، فإن توزيع الزكاة يخضع لضوابطَ شرعية صارمة؛ لضمان وصولها إلى الفئات التي حددها الله تعالى في القرآن الكريم.
ومن أكثر مصارف الزكاة نقاشًا هو “في سبيل الله”، وقد ظهرت تفسيرات متعددة لهذا المصطلح؛ فالبعض يرى أنه يشمل جميع أعمال الخير والمشاريع الخيرية، بينما يرى آخرون أنه يقتصر فقط على الجهاد في سبيل الله (القتال لنصرة دين الله).
تهدف هذه المقالة إلى تقديم تحليل مفصَّل لعبارة “في سبيل الله” من خلال:
• المعنى اللغوي لـ”في سبيل الله”.
• استخدامه في القرآن الكريم.
• تفسير النبي صلى الله عليه وسلم له.
• فهم العلماء الأوائل (السلف الصالح) له.
• آراء الفقهاء الكلاسيكيين حوله.
• عواقب توسيع معناه ليشمل مجالاتٍ أخرى غير مقصودة.
ومن خلال دراسة هذه الجوانب، تهدف هذه المقالة إلى تحديد المعنى الصحيح لـ”في سبيل الله”، في سياق توزيع الزكاة.
الفئات الثمانية للزكاة في القرآن الكريم:
يحدد القرآن الكريم مستحقي الزكاة بوضوح في قوله تعالى:
﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 60].
هذه الآية تبدأ بأداة الحصر “إنما”، وهي أداة تفيد التخصيص؛ أي إن الزكاة لا تُصرف إلا في هذه الفئات الثمانية، ولا يجوز صرفها لغيرها، ولو كان يجوز إنفاق الزكاة في أي عمل خيري، لَما قام الله بحصرها في هذه الفئات المحددة.
فَهم “في سبيل الله” في ضوء القرآن:
من بين الفئات الثمانية المذكورة في الآية، هناك “في سبيل الله”، وهي عبارة غالبًا ما تُترجم إلى “في طريق الله”، ولكن ما هو المعنى الدقيق لهذا المصطلح في القرآن الكريم؟
١. استخدام “في سبيل الله” في القرآن:
عند تتبع استخدام القرآن لعبارة “في سبيل الله”، نجد أنها تُستخدم دائمًا للإشارة إلى الجهاد القتالي في سبيل الله؛ ومن الأمثلة على ذلك:
• ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ﴾ [البقرة: 190].
• ﴿ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [محمد: 4].
• ﴿ فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ ﴾ [النساء: 74].
في جميع هذه الآيات، “في سبيل الله” تعني الجهاد القتاليَّ، وليس المشاريع الخيرية مثل بناء المدارس والمستشفيات، ولو كان المصطلح يشمل الأعمال الخيرية، لكان من الضروري توضيحُ ذلك في القرآن، لكننا لا نجد أيَّ آية تشير إلى هذا المعنى.
تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لعبارة “في سبيل الله”:
للتأكد من هذا المعنى، يجب الرجوع إلى السُّنَّة النبوية؛ حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم هو أفضل من يفسِّر القرآن؛ وقد ورد عنه في حديث صحيح: ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله))؛ [رواه البخاري 2810، ومسلم 1904].
هذا الحديث يحدد أن “في سبيل الله” تعني: القتال من أجل نصرة دين الله، وليس الأعمال الخيرية العامة.
ولو كانت تشمل مشاريعَ أخرى، لَذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه لم يفعل، مما يدل على أن توسيع المعنى غير صحيح.
علاوة على ذلك، لم يستخدم النبي صلى الله عليه وسلم أموالَ الزكاة لبناء المساجد أو المدارس أو المستشفيات، على رغم الحاجة إلى ذلك، بل كان يصرفها فقط في المصارف التي حدَّدها الله تعالى.
فَهم السلف الصالح لـ”في سبيل الله”:
كان الصحابة والعلماء الأوائل يفهمون “في سبيل الله” على أنها تعني الجهاد القتالي فقط؛ ومن أقوالهم:
• ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما: قالا: إن “في سبيل الله” تعني فقط المقاتلين الذين يجاهدون في سبيل الله.
• الإمام الشوكاني (رحمه الله): قال: “أما مصرف ﴿ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾، فإنه يعني المقاتلين الذين ليس لهم رواتب في بيت المال”؛ [فتح القدير، (2/ 420)].
• ابن القيم (رحمه الله): قال: “الزكاة محصورة في الفئات الثمانية المذكورة في القرآن، ولا يجوز صرفها خارج هذه المصارف”؛ [إعلام الموقعين (2/ 86)].
لو كان “في سبيل الله” يشمل جميع أعمال الخير، لوجدنا الصحابة يستخدمون أموال الزكاة لبناء المدارس والمستشفيات، لكن لا يوجد أي دليل على ذلك.
عواقب توسيع معنى “في سبيل الله”:
من يقول إن “في سبيل الله” تشمل الأعمال الخيرية يواجه عدة مشكلات؛ منها:
• مخالفته للمعنى اللغوي والقرآني لعبارة “في سبيل الله”.
• مخالفته لمبدأ الحصر في آية التوبة 60، التي تحدد ثمانيةَ مصارف فقط للزكاة.
• عدم وجود دليل من السُّنَّة أو أفعال الصحابة يؤيِّد هذا التفسير.
• فتح الباب لتفسيرات شخصية قد تؤدي إلى إساءة استخدام أموال الزكاة.
لو كان “في سبيل الله” تعني كلَّ عمل خيري، لَما كان هناك حاجة لذكر الفئات الأخرى، ولكان القرآن قال ببساطة: “الزكاة لكل أعمال الخير”، لكن هذا لم يحدث.
الخاتمة:
بناءً على القرآن والسنة وإجماع العلماء، فإن “في سبيل الله” في سياق الزكاة تعني الجهاد القتالي فقط، وأي محاولة لتوسيع معناها لتشمل الأعمال الخيرية غير صحيحة شرعًا، وتؤدي إلى مخالفة أحكام الله تعالى.
الزكاة أمانة شرعية، ويجب توزيعها وفقًا لما أمر به الله تعالى، وليس وفقًا للاجتهادات الشخصية؛ لذا، لا يجوز استخدام أموال الزكاة في بناء المدارس أو المستشفيات أو المشاريع الخيرية العامة.
نسأل الله أن يوفقنا لفَهم دينه فَهمًا صحيحًا، وأن يرزقنا اتباع أوامره كما جاءت، آمين.
تمت قراءة هذا المقال بالفعل13953 مرة!
✅ تابعنا الآن عبر فيسبوك – قناة التليغرام – جروب الوتس آب للمزيد من القصص الجديدة يومياً.
ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق