dark

رييل ستوري | فانوس رمضان.. صنعه الفاطميون لإضاءة المساجد فصار رمزا لشهر الصيام

0
(0)

فانوس رمضان أحد أشهر وأبرز المظاهر التي ارتبطت بالشهر الكريم، في بدايته استعمل دليلا لإضاءة الطريق ليلا، إلى أن أمر الفاطميون بإضاءة مساجد القاهرة به -كما تقول بعض الروايات- فصار مظهرا رمضانيا موروثا منذ ذلك الحين.

الأصل والتعريف

“فانوس” كلمة مشتقة من الكلمة الإغريقية “فانس”، التي تعني الأداة المستخدمة في الإنارة، ويقابلها بالمعنى في اللغة العربية كلمة (مشعل)، وفي تفسير آخر يقال إنها مشتقة من الكلمة اليونانية “هانوس” التي تعني الضوء، ويطلق على الفانوس في بعض اللغات اسم “فيناس”.

يقول الفيروز آبادي (مؤلف معجم القاموس المحيط) إن كلمة “فانس” الإغريقية ترادفها في اللغة العربية كلمة “نمّام”، والنمام في اللغة العربية هو الشخص الذي يكشف مساوئ أخيه، والعلاقة بين الفانوس والنمام هي أن الفانوس ينير في الظلام ويبدد الظلمة، وكذا النمام يبدد ستر أخيه.

وكلمة فانوس أيضا تعني مصباحا يحمل في الليل لأجل الإضاءة، ويكون محاطا بالزجاج أو يتم تعليقه، وفقا للمعجم، ويشار إليه في العربية أيضا بالسراج والفتيلة الموقودة والقنديل.

فيما تقول أمينة عبد الله سالم في دراستها “التراث الشعبي بين الثبات والتغير.. دراسة أنثروبولوجية لفانوس رمضان” والمنجزة بكلية الآداب في جامعة حلوان، إن الفانوس عبارة عن مشكاة مستقلة، جوانبها من الزجاج يوضع فيها المصباح ليقيه من الهواء أو الكسر، وجمعها “فوانيس”، والفانوس جهاز لوقاية مصدر الضوء من الرياح والمطر.

وقالت الدراسة أيضا إن الرومان استخدموا فوانيس صنعت جوانبها من القرون الرقيقة لحماية المشاعل الزيتية التي ظلت تستخدم حتى العصور الوسطى إلى جانب الشموع، وفي عهد النهضة استخدمت فوانيس من المعدن المثقوب ثم استخدم بدلا منه الزجاج، ثم ظهرت الفوانيس المصنوعة من الورق، بينما في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط استخدمت فوانيس من النحاس المشغول.

مصر وفانوس رمضان

كثرت الروايات حول كيفية وصول الفانوس باعتباره رمزا ثقافيا مهما في مصر، حتى إنه يحاط بالعناية وصار حرفة يحترفها حرفيون ويتداولونها جيلا بعد جيل.

تقول إحدى الروايات إن ارتباط الفانوس بشهر رمضان يرجع إلى يوم 15 رمضان 362هـ (972م)، حينما استعد المصريون لاستقبال المعز لدين الله –رابع الخلفاء الفاطميين وأول الخلفاء الفاطميين في مصر– الذي وصل إلى مشارف القاهرة في ذلك التاريخ ليتخذها عاصمة لدولته.

وكان القاهريون قد استعدوا لاستقباله عند صحراء الجيزة، رافعين المشاعل والفوانيس، وحتى تظل الشموع مشتعلة مضيئة داخل الفوانيس، فقد فكر القاهريون في وضعها على قواعد خشبية وغطوها بالجلود، مما جعلها تظهر على شكل فانوس، من ثم تحول الأمر إلى طقس سنوي مع استقبال شهر رمضان سنويا.

الرواية الثانية تقول إن الخليفة الفاطمي، كان يخرج ليلا مع العلماء والفقهاء لاستطلاع هلال رمضان، ومن ورائهم النساء والأطفال، واعتاد الأطفال أن يخرجوا في الموكب حاملين الفوانيس وهم يرددون بعض الأغاني الاحتفالية بقدوم رمضان، ومن ثم أصبح طقسا رمضانيا.

الرواية الثالثة تقول إن أصل ارتباط الفانوس بشهر رمضان المبارك، يرجع إلى أن الحاكم بأمر الله أمر أن تضاء المساجد بالفوانيس طوال شهر رمضان، مع وضع شمعة داخل كل فانوس، وكذلك أمام البيوت وفي الأزقة، وتغريم كل من يعصي الأمر، وأنه استعان في سبيل تحقيق هذا الأمر بعدد كبير من الحرفيين المهرة للقيام بهذه المهمة لتوفير الفوانيس اللازمة.

Photo of a lanterns store and a traditional Qahwa in 1890. Photo courtesy of Ahl Misr Zaman.
صورة لمحل الفوانيس وقهوة تقليدية عام 1890. (موقع أهل مصر زمان)

وكان الحاكم بأمر الله يهتم اهتماما كبيرا بإنارة الجامع الأزهر بنور من الفضة و27 قنديلا، واشترط إضاءتها في شهر رمضان، وكان يتم إطفاء هذه المصابيح الموجودة أيضا في شرفات المآذن بعد انقضاء وقت السحور. وبعد انتهاء الشهر الفضيل يتم تخزين هذه القناديل في أماكن أعدت خصيصا لهذا الغرض.

الرواية الرابعة، تقول إن الخليفة الحاكم بأمر الله لم يكن يسمح للنساء بالخروج من بيوتهن ليلا إلا في شهر رمضان شرط أن يسبقهن الأطفال والغلمان حاملين الفوانيس لإنارة الطريق ولتنبيه الرجال كي يبتعدوا عن طريقهن.

ومن العادات التي انتشرت حينها، أن الأزقة والحارات كانت تزدحم بالناس الذين يخرجون جماعات للتزاور وقضاء السهرات حاملين شموعهم ومشاعلهم وقناديلهم وفوانيسهم لتنير لهم طريقهم.

رواية المقريزي

رغم محاولات الكثيرين الربط بين الفانوس وظهوره في مصر وارتباطه بالخلافة الفاطمية وانتقالها إلى مصر، فإن مؤرخ الديار المصرية أبا العباس تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد المقريزي، كان له رأي آخر يناقض كل الروايات السابقة، إذ تشير روايته إلى ظهور الفانوس في مصر قبل دخول الفاطميين بعقود طويلة.

ويقول في كتابه “المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار”، إنّ أقباط مصر قبل الفتح الإسلامي كانوا يستخدمون أشياء تعتمد على نفس فكرة الفانوس في احتفالاتهم بمناسبة أعياد الميلاد.

ويضيف أن المسلمين في مصر تأثروا باحتفالات الأقباط بأعياد الميلاد، حيث كان موسما تباع فيه الشموع المزهّرة بالأصباغ الرائعة، وكانوا يسمّونها الفوانيس، ويعلقّونها في الأسواق والحوانيت.

إحدى الروايات تقول إن الفانوس لم يدخل مصر من الفاطميين بل مع الأقباط المسيحيين (رويترز)

وقال تقي الدين المقريزي، في كتابه “أدركنا الميلاد بالقاهرة ومصر وسائر إقليم مصر موسما جليلا، يباع فيه من الشموع المزهرة بالأصباغ المليحة والتماثيل البديعة بأموال لا تنحصر، فلا يبقى أحد من الناس أعلاهم وأدناهم حتى يشتري من ذلك لأولاده وأهله، وكانوا يسمونها الفوانيس، وأحدها فانوس، ويعلقون منها في الأسواق بالحوانيت شيئا يخرج عن الحد في الكثرة والملاحة”.

ويرى البعض أن ظهور الفانوس في مصر كان عادة قديمة لاحتفال المصريين بأعياد الميلاد، بحكم أن المسيحية كانت أسبق وأقدم في الدخول إلى مصر من الإسلام ومن دخول الفاطميين إلى مصر، وتسرب هذا الطقس إلى الثقافة الإسلامية في وقت لاحق، وربما مع تحول أغلب المصريين تدريجيا إلى الإسلام، ازدهر هذا الطقس الاحتفالي وأصبح طقسا رمضانيا.

تطور صناعة الفوانيس

كان للفانوس في بداية ظهوره شكل تقليدي، إذ كان يدور حول الشمعة المضاءة التي وضعت على قاعدة خشبية، ومحاطة بجسم يحميها بداخله حتى لا تنطفئ بفعل تيار الهواء.

ثم تطور الشكل وأصبح محاطا بصفيح، ثم بدأت النقوش والزخارف تضاف إلى جسم الفانوس لتزيينه، وقد امتازت هذه الفترة في التاريخ المصري بجمال فنون الزخارف والرسوم على المعدن والزجاج، وظهر ذلك جليا في نقوش المساجد والقطع الأثرية في القصور.

ثم تم صنع الفانوس من النحاس المطعم بالزجاج الملون مع الاحتفاظ بالقاعدة الخشبية التي تثبت فوقها الشمعة.

ثم تطور فانوس رمضان، على مستوى الشكل والحجم، وأضاف عليه الحرفيون تفاصيل جعلت منه قطعة فنية، وتطورت طريقة إنارته مع الوقت وأصبح يعتمد على الفتيل والزيت بدلا من الشموع، كما أنّ أحجامه تنوعت وكثرت.

ثم تطور أكثر وأكثر مع العصر الحديث، وأصبحت تعتمد طريقة إنارته على البطاريات والمصابيح الصغيرة الملونة، وصارت تبرمج فيه أغان رمضانية أيضا.

أشهر أماكن تصنيعه

صناعة الفوانيس أصبحت من أقصر الصناعات عمرا، إذ تعيش شهرا واحدا وتموت بقية العام، فلم تعد تستخدم كما كان الحال قديما في الإضاءة ليلا، وعلى الرغم من ذلك فإن هناك العديد من أماكن ومناطق القاهرة التي لا تزال تشتهر بهذه الحرفة التراثية، ومنها:

منطقة تقع بحي الجمالية في القاهرة القديمة، وهي منطقة موجودة بين مسجد الحسين وشارع وميدان الأزهر، وهي من أشهر أماكن تصنيع وبيع فوانيس رمضان، تستقبل في كل عام آلاف المواطنين المصريين والسياح الأجانب للإقبال على شراء فانوس رمضان، الذي يضفي حالة من البهجة والروحانيات الخاصة بالشهر الفضيل.

يقع بالقاهرة، بين حي العباسية شرقا ومنطقة باب الخلق والسيدة زينب شرقا، ومع حلول الشهر الفضيل، تتزين منطقة باب الشعرية بالفوانيس الملونة، حيث تعرض أشكال فوانيس رمضان متنوعة من كل الأحجام والألوان والأشكال، طوال شهر رمضان المبارك.

فلسطيني يصنع الفوانيس للبيع استعدادا لشهر رمضان المبارك في منزله جنوب قطاع غزة عام 2020 (رويترز)

يتبع حي الحسين منطقة الجمالية بالقاهرة، بالقرب من شارع خان الخليلي، وهو أحد أكثر الأماكن شهرة في بيع فوانيس رمضان بالقاهرة، وفيه تشكيلة متنوعة من فوانيس رمضان المميزة بألوانها الزاهية ونقوشها الفريدة.

أحد أشهر شوارع القاهرة القديمة، في المنطقة الواقعة بين باب زويلة وباب الخلق، ويشتهر بوجود مئات ورش تصنيع فانوس رمضان الشهير، بكل أشكاله وألوانه المميزة.

وتقول دراسة “التراث الشعبي بين الثبات والتغير.. دراسة أنثروبولوجية لفانوس رمضان”، إن الحرفيين يبدؤون صنع فانوس رمضان قبل حلول الشهر بـ3 أو 4 أشهر، وفي شهر ربيع الثاني بالتحديد، وتضيف أن من بين الصناع من ينتج من 40 إلى 50 فانوسا في اليوم الواحد.

ولا يقتصر بيع وتصنيع فوانيس رمضان على هذه المناطق والأماكن بالقاهرة القديمة فقط، بل هناك أماكن أخرى تتميز ببيع وتصنيع هذا المنتج الرمضاني، منها المناطق الصناعية بـ”10 رمضان” و”6 أكتوبر”، ولكن تبقى روحانيات وجماليات صناعة الفوانيس متجذرة في أماكن قاهرة المعز القديمة.

أشكال فانوس رمضان

وتقول أمينة عبد الله سالم في دراستها أيضا إن فانوس رمضان تتعدد أشكاله وأحجامه، فأصغرها يسمى “بز” وقد يكون له باب أو كعب، ولا يتعدى طوله 10 سنتيمترات، أما أكبرها فيسمى “بولاد كبير”، وهو مربع الشكل.

وتوجد فوانيس أخرى أصغر حجما تدعى “مقرطس” وهو على شكل نجمة متشعبة ذات 12 ذراعا، وتتعدد أسماء الأشكال الأخرى لفانوس رمضان، فمنها: مربع محرود ومسدس عدل ومسدس محرود ومربع بشرفة منقوشة من الصفيح حول قمته.

كما يوجد فانوس يدعى “أبو حشوة” ويعني بأن له حلية منقوشة من الصفيح أسفل شرفته، وأشكال أخرى، تسمى “أبو لوز” و”أبو حجاب” و”أبو عرق” و”مقرنش” و”شق البطيخة”، وهناك من الفوانيس ما يصنع بشكل الترام والقطار والمراكب والأرجوحات.

Loading

ما مدى اعجابك ؟

انقر على نجمة لتقييمه!

متوسط ​​تقييم 0 / 5. عدد الأصوات: 0

لا أصوات حتى الآن! كن أول من يقيم هذا المنشور.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post

رييل ستوري | خطأ تسبب في سحب 40 مليون دولار.. بنك إثيوبي يناشد عملاءه إعادة الأموال

Next Post

رييل ستوري | “وادي سيدنا” أكبر قاعدة جوية عسكرية في السودان

Related Posts