dark

إرتدوا نظاراتكم – عامر ممدوح

0
(0)


إرتدوا نظاراتكم – عامر ممدوح
ارتديت النظارات الطبية منذ عقدين ونصف تقريباً، وكان ذلك الحدث متزامناً إلى حدٍ ما مع دخول عالم التاريخ قراءة عامة وتخصصاً دقيقاً فيما بعد.
ولكن يبدو ان تلك العدسات المزعجة ـ قبل التعود عليها اضطراراً ـ كان تمنحني بعداً آخر في النظر إلى الأمور واستشراف مآلاتها، وهو امر كان يزيد قراءة الأحداث وضوحاً بشكل عملي، بعدما كانت النصوص التاريخية والتعليقات التي يكتبها كبار فلاسفة التاريخ تمنحني الاطار النظري لها.
وبمرور الوقت تحولت المسألة إلى شغف بالغ في تقدير المواقف والغوص في ما ورائيات النص والأسطر، وتخيل الغد القادم كيف يكون بناءً على درس الماضي وقراءة الحاضر.
لا اسوق كل ذلك الكلام ــ بطبيعة الحال ــ استرجاعاً للذاكرة او تدويناّ ذاتياً، أبداً.. أبداً ! لكن الواقع الذي نعيشه اليوم يذّكرني بتلك الحيثيات واللحظات، إذ المس الفارق الكبير بين من يتعامل مع ظواهر الاحداث وبين جوهرهاً، وبين من يقرأ الخبر ومن ينغمر بين سطوره، ومن يعاني قصر النظر العملي فلا يتجاوز ما يشاهده ارنبة أنفه وان كان التشخيص الطبي يؤكد سلامة نظره، وبين من يرتدي النظارات التي تصحح بصره وتمنحه قراءة ورؤية استراتيجية لما يحصل.
ان الواقع الراهن يحتاج منّا نظرة فيها تبصر واستشراف، لا الوقوف عند عتبة الحدث، وهو امر سيشكل فارقاً كبيراً حين نحسنه ونجعل منه ممارسة يومية مستندة إلى خطوات علمية تجمع المدخلات وتحللها ثم تقدم التصورات الأقرب إلى الدقة فيما يتعلق بالمستقبل القريب والبعيد.
واكاد اجزم ان التاريخ، ذلك العلم العظيم، يعلمنا هذه المهارة ويمنحنا عيوناً اضافية وليس أعماراً فقط، فهو يقول لنا في درسه البليغ كيف ان ضعف الهوية الجامعة سبيل متدرج للتفكك، والتهاون في علاج المشكلة يفاقمها وصولاً إلى استعصاء حلها، والخلل الذي يصيب جزءاً من سفينة الوطن هو مدعاة لغرقها بالكامل في نهاية المطاف، وأن الفرقة ظلم، والظلم مؤذن بنهاية العمران كما قال الفيلسوف الكبير ابن خلدون.
لذلك ولأجل العراق.. ارتدوا نظاراتكم لتبصروا أين المسار، وكم هي قاتمة عتمة الصراع المؤذن بالانهيار.

Loading

ما مدى اعجابك ؟

انقر على نجمة لتقييمه!

متوسط ​​تقييم 0 / 5. عدد الأصوات: 0

لا أصوات حتى الآن! كن أول من يقيم هذا المنشور.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post

التاريخ لا يصنع أحداً .. بل نحن من يصنع التاريخ – د.شريف بن محمد الأتربي

Next Post

الأردن في مئة عام (1921 – 2021): تاريخ مصوّر

Related Posts