dark

سقوط الاتحاد السوفياتي.. الأسباب والنتائج

0
(0)

كانت لميخائيل غورباتشوف، بعدما تولى السلطة عام 1985، رؤية تخالف الأسس الشيوعية التي بني عليها الاتحاد منذ تأسيسه، لكنه لم يستطع تطبيق رؤاه كما أراد، فواجهته مشكلات اقتصادية كبيرة، واضطرابات قومية في مختلف الجمهوريات السوفياتية حفزتها أحداث عالمية حاسمة، مثل انهيار جدار برلين وخروج دول أوروبا الشرقية من عباءة الشيوعية.
فما الأسباب التي أدت إلى سقوط الاتحاد السوفياتي؟ وكيف تصرف غورباتشوف؟ وما التبعات التي تلت انهيار أحد قطبين قادا العالم لعقود وقسماه إلى ما عرف بالمعسكر الغربي (بقيادة الولايات المتحدة الأميركية) والمعسكر الشرقي (بقيادة الاتحاد السوفياتي)؟
ألغى الاتحاد السوفياتي -خلال فترة رئاسة جوزيف ستالين الدكتاتورية- القطاع الخاص بالكامل وفرض الشيوعية في الأقاليم التابعة له، وشهدت فترته ما عدّه خصومه “تطهيرا عرقيا” في مناطق كثيرة، منها المناطق التي يقطنها مسلمون كالقوقاز وتركستان وتترستان.
وفي الحرب العالمية الثانية، دخل الاتحاد السوفياتي في حرب مع ألمانيا، وخرج منها منتصرا لكن منهك القوى، فقد خسر فيها أكثر من 10% من سكانه و70% من منشآته الصناعية وشهدت مبانيه وبناه التحتية دمارا هائلا.
ورغم العلاقات الجيدة التي بدأت إبان الحرب العالمية الثانية مع أميركا وبريطانيا بعد مؤتمر يالطا فبراير/شباط 1945، فإنها سرعان ما تحولت إلى حرب باردة وسباق تسلح نووي عنيف، ثم تشكل ما عرف بحلف “وارسو”، الذي ضم الاتحاد السوفياتي والجمهوريات الاشتراكية عام 1955، أي بعد عام من تشكيل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، كما حاول الاتحاد فرض سيطرته على أوروبا الشرقية وتأسيس أنظمة شيوعية فيها.
من عام 1953 إلى 1985، مر الاتحاد السوفياتي بمراحل مهمة، فقد أصبح قطبا موازيا لأميركا، ودخل طرفا في أزمة صواريخ كوبا عام 1962 (التي كانت على وشك أن تدخل العالم في حرب عالمية نووية).
زاد بعدها نفوذ الاتحاد السوفياتي بأفريقيا وأميركا اللاتينية، وغزا السوفيات أفغانستان نهاية 1979، وامتدت مساحة الاتحاد حتى استولى على سدس مساحة اليابسة، لكن رغم ذلك كانت البلاد لم تتشاف بعد من سياسات ستالين التي أدخلتها في ركود اقتصادي.
تولي ميخائيل غورباتشوف السلطة عام 1985، ووجد البلاد تعاني من أزمات اقتصادية عويصة، فانتهج ما سماه سياسة “الغلاسنوس”، أي العلانية والشفافية في إدارة البلاد، وقدم خطة لإصلاح الأوضاع سماها “البريسترويكا” وتعني إعادة البناء.
قامت خطة “البريسترويكا” على مبدأ الديمقراطية وحقوق الإنسان، وعلى منح الناس حرية الرأي والتعبير، وإيقاف الاعتقالات وإطلاق سراح مئات السياسيين، وانطلقت بعدها الدراسات الاقتصادية التي حللت أداء النظام الاشتراكي اقتصاديا وكشفت مشاكله، ومحاولته التحول إلى اقتصاد السوق.
وعلى مستوى السياسة الخارجية، حاول غورباتشوف تحسين علاقات بلاده مع الدول الغربية الرأسمالية، فحد من التسلح ووقع عدة اتفاقيات للتخلص من الصواريخ النووية متوسطة المدى، كما خفض قواته التقليدية في أوروبا الشرقية.
وخلال 1988-1989، أمر بسحب جميع القوات السوفياتية من أفغانستان، وأعلن في السابع من ديسمبر/كانون الأول 1988 في مقر الأمم المتحدة بنيويورك نهاية ما عرف بالحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي.
لكن غورباتشوف لم يصل لأهدافه المنشودة، إذ واجه مشاكل اقتصادية كبيرة، وزادت من تأزيم الوضع في البلاد كارثة مفاعل تشرنوبل النووي، الذي انفجر يوم 26 أبريل/نيسان 1986، وخلف خسائر مادية وبشرية، وأعقبته أزمة سياسية.
ظهرت معارضة قوية لخطة “البريسترويكا” التي تبناها غورباتشوف، فبدأ في التخلص من أعضاء مؤتمر النواب المعارضين، وشرعت الشرطة باعتراض المظاهرات غير المصرح بها التي عارضت سياساته.
ففي الجلسة الأولى لمؤتمر النواب، منع غورباتشوف اتخاذ أي قرارات في الشكاوى التي قدمها النواب بخصوص حال البلاد بعد حكم ستالين، والتي تمحورت حول الفقر المدقع الذي عانت منه البلاد، ونقص السلع الاستهلاكية وإساءة معاملة الأقليات وقوانين منع المظاهرات وغيرها، وسرعان ما بدأت المظاهرات والإضرابات العمالية، التي ازدادت حدة عام 1989.

رافق تدهور أوضاع البلاد الداخلية تنامي حس “القومية” لدى بعض الأقليات في الاتحاد السوفياتي في عدة جمهوريات منها أذربيجان وأرمينيا وإستونيا وليتوانيا، حيث طالبت الأقليات فيها بالانفصال بعد سنين من “الاضطهاد والتغيير الثقافي الإجباري في اللغة والهُوية”.
حاول غورباتشوف التصدي لحركات الانفصال وواجه مظاهراتها بالقوة، لكن فتيل المطالب القومية كان قد اشتعل في منطقة ناغورني قره باغ وفي دول البلطيق (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا) والقوقاز، التي طالبت جميعها بالاستقلال والانفصال.
وأعلنت جمهوريات تلك المناطق استقلال حزبها الشيوعي عن الحزب الشيوعي في موسكو، لتبدأ بعدها سلسلة إعلان الانفصال والاستقلال عن الاتحاد السوفياتي من قبل مناطق أخرى، منها جورجيا ومولدوفا وإستونيا وبيلاروسيا وأوكرانيا الغربية.
وقَعَت حكومة غورباتشوف في مشاكل داخلية لانقسام مؤسسات الدولة بين مؤيدين ومعارضين لسياسات الحكم، إضافة إلى تصاعد مطالب الانفصال.
بالتزامن مع ذلك وخارج حدود الاتحاد، غيرت التاريخ أحداث عالمية كانهيار جدار برلين وخسارة الاتحاد لبرلين الشرقية، وخروج دول أوروبا الشرقية من عباءة الشيوعية، فتسبب ذلك في زيادة الضغط على غورباتشوف من كل الجهات.
وبينما كان غورباتشوف في إجازة في شبه جزيرة القرم، استغل الشيوعيون المعارضون لسياسة “البريسترويكا” غيابه ليعلنوا انقلابا عسكريا عليه يوم 19 أغسطس/آب 1991، مشكلين “لجنة الدولة للطوارئ” بهدف “إنقاذ البلاد من الانهيار”.
أعلن الشيوعيون في الإعلام الرسمي للدولة أن ميخائيل غورباتشوف “غير قادر على تولي مهامه لأسباب صحية”، وعينوا محله غينادي ياناييف نائب الرئيس، وقادوا “لجنة الدولة للطوارئ” وخولوا أنفسهم كل الصلاحيات.
تصدى “للحركة الانقلابية” رئيس جمهورية روسيا الاتحادية بوريس يلتسن منذ الساعة الأولى لإعلانها، حيث دخل موسكو بالمدرعات، ودعا إلى الإضراب العام والعصيان المدني، وأيدته 3 وحدات عسكرية، ورفع علم الاتحاد الروسي.
بالتزامن مع تجمهر المؤيدين أمام البرلمان الروسي، جاب مجموعة من النواب المؤيدين الثكنات العسكرية في موسكو لإقناع الضباط بمساندة يلتسن، واستطاعوا جمع أكثر من 50 ألف شخص أمام البرلمان بالإضافة إلى وزير الخارجية السوفياتي السابق إدوارد شيفاردنادزه.
أعلن البرلمان في 21 أغسطس/آب 1991 جلب غورباتشوف من منزله الريفي، وأمرت وزارة الدفاع القوات بالعودة إلى ثكناتها، وتم تخفيف الإجراءات العسكرية كما رفعت الرقابة وحظر التجول، وألغيت مراسم “الانقلابين”.
وفي ليلة الإعلان، عاد غورباتشوف إلى الكرملين، لكنه كان قد فقد قوته، فالمتعاونون معه إما خانوه أو تخلوا عنه، وحزبه ضعف، وأصبح بوريس يلتسن صاحب القوة الفعلية في البلاد.
قدم غورباتشوف استقالته من رئاسة الحزب الشيوعي في 25 أغسطس/آب 1991، وتم إنزال علم دولة الاتحاد السوفياتي من الكرملين في موسكو، ورفع بدلا منه علم روسيا، وصوت البرلمان السوفياتي في 29 أغسطس/آب 1991 على إيقاف عمل الحزب الشيوعي وإغلاق مقاره.
في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 1991، تم توقيع اتفاقية “بيلوفيجسك” (اتفاقية إنشاء رابطة الدول المستقلة) بين روسيا و11 دولة منها أوكرانيا وبيلاروسيا (باستثناء دول البلطيق وجورجيا) لتكون بديلا عن الاتحاد.
واتفقت دول الرابطة على أن الاتحاد السوفياتي “لم يعد موجودا” بعد توقيع اتفاقية إنهاء وجوده، وخلال شهرين بعد إعلان تفكك الاتحاد، كانت قد أعلنت كل الجمهوريات السوفياتية استقلالها.
وفي 25 ديسمبر/كانون الأول 1991، أعلن رسميا انتهاء الاتحاد السوفياتي، والاعتراف باستقلال الجمهوريات السوفياتية، وبدأت حقبة تاريخية جديدة في المنطقة والعالم.
تابع الجزيرة نت على:

Loading

ما مدى اعجابك ؟

انقر على نجمة لتقييمه!

متوسط ​​تقييم 0 / 5. عدد الأصوات: 0

لا أصوات حتى الآن! كن أول من يقيم هذا المنشور.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post

حكم التجسس بين الزوجين وحلول لتجنب المشاكل

Next Post

فاليري ابو شقرا في اطلالة جذابة خلال حفل انتخاب ملكة جمال لبنان 2022

Related Posts