dark

الأدب في الإمارات أقلام شابة تواكب العصر

0
(0)

العالم متغير، وما يشهده من تغيرات متتابعة تلقي بظلالها على كل تفاصيل الحياة وممارسات البشر، بما في ذلك أساليب المبدعين في تقديم إبداعاتهم، التي هي من دون شك تخضع لعملية التأثر بالمحيط؛ وهو ما نشهده في العديد من الأعمال الأدبية المعاصرة، التي تعكس عصرها وأهم مظاهره.
وتبدو ملامح العصر، بكل ما فيها من تقنيات ومفردات تتعلق بالعالم الرقمي، حاضرة بقوة في كتابات الشباب، بما يصنع مسافة كبيرة في الاهتمامات الأدبية، بينها وبين النتاجات الأدبية التي أنجزها جيل الأدباء الإماراتيين الرواد، فالقفزات العلمية والتقنية السريعة التي حدثت في العقود السابقة، كان لها أثر على الإبداع عامة بما فيه الأدب، حيث كشف العديد من الكُتاب الشباب خلال حديثهم لـ«البيان» عن تأثير التكنولوجيا على أعمالهم، وكذلك تناولهم للقضايا المجتمعية بجرأة لم تكن معهودة في السابق، وهو ما ترك صدى لهذه الكتابات في المجتمع، بفضل ما جسدوه في أعمالهم من صور عصرية تمس مجتمع اليوم وإنسانه، وما يمكن أن يجعل الأدب في الإمارات يعيش ظاهرة الأقلام الشابة، التي تكتب في مهب العصر ومستجداته.
تحولات إبداعية
يؤكد الكاتب والناقد عبد الفتاح صبري، أن الكتابة شاهدة على مرور الزمن، وتطور جوانب الحياة المختلفة، ويقول: «إن الكتابة نهر متدفق عبر الزمن، وهي حاملة القيم والمعتقدات وسلوكيات المجموع في كل مرحلة من مراحل تطور الحياة، وتنتقل من جيل إلى جيل وفق الرؤى الجديدة المتبدلة في المجتمع وفي إطار التحولات التي تمر أو تؤثر في الفكر والفن والإبداع، ولا شك أن الكتابة تحمل ملامح المجتمع المعيشي، وأيضاً ظواهر الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية من مرحلة إلى أخرى».
وفي المقارنة بين أدب الشباب وجيل الرواد الإماراتيين، يوضح صبري: «إن الكتابات في بداية تشكل الدولة ودخول عصر النفط كانت تحمل توتراً وقلقاً نحو المستقبل واستشرافه، خوفاً على القيم والسلوك والعادات، والإبداع الذي حاول التنبيه إلى هذه المخاطر تأثر الآن بحوادث الحياة الكبرى في المجتمع وعظم التحولات وأثرها، إضافة إلى العوامل الأخرى المؤثرة بجيل الكتاب والأدباء الذين ساهموا في بلورة نظرة مهمة نحو المستقبل آنذاك».
وأضاف: «أما الجيل الحالي الذي يمتهن الكتابة شعراً أو نثراً أو قصصاً أو رواية، فهو يقدم لنا رؤية أخرى تبحث في قضايا الذات وإشكالات الإنسان وعزلته في زمن تعملقت فيه التكنولوجيا. ولذلك فإنهم يكتبون الآن بشكل مغاير ويهتمون بقضايا الإنسان بوصفه إنساناً، في أي مكان، ويبحثون عن قيم التسامح والود ونبذ العنف والحروب وتجليات الذات الإنسانية».
وأكد صبري على أن «هذه الكتابة سيكون أثرها القادم في تنمية الوعي باتجاه مشاكل الكون الكبرى وتحولاتها المُسخرة، وتأكيداً على ما يجب التحلي به لمواجهة تشظي وتوحد الإنسان ومقاومة ما يضر بالإنسان والبيئة وتجنب الحروب».
ثقافة حديثة
بدوره، قال الناقد الدكتور أحمد عقيلي: «من الملاحظ إنه مع تغير العصر تغيرت اتجاهات الكتابة، ويتجلى ذلك بما يقدمه جيل الكُتاب الشباب، الذين اتجهوا إلى فن الرواية وقدموها بطريقة حداثية، تعتمد على النهايات المفتوحة، التي تشكل إغراء للأدباء، لأسباب كثيرة منها أنها تحتمل الكثير من التوليفات، كما أنها مفتوحة على التأويلات المتنوعة».
ويلاحظ د. عقيلي: «نرى أن الحركة الشعرية أقل بكثير، فمما لا شك فيه أن القفزات التقنية التي لها علاقة بالحوسبة والأتمتة والكتاب الإلكتروني، التي تثير اهتماماً كبيراً لدى الشباب عموماً، جعلت من الرواية النوع الأدبي الأكثر مناسبة للرقمنة. وفي ظل الجائحة، كان لموضوع الالتفاف نحو الثقافة الرقمية عبر الفضاء، تأثيرات كبيرة على ثقافة الشباب، وانعكس هذا على كتاباتهم».
خدمة المجتمع
من جهتها، رأت الكاتبة نورة الطنيجي أن كتاباتها تُلائم جميع القراء من كافة الأجيال، بمن فيهم الشباب أو جيل الرعيل الأول. وفسرت: «يأتي هذا بسبب الطرح الذي أقدّمه في كل إصدار.
وهو طرح مجتمعي مرتبط بمواضيع تخصصي في القيادة التربوية، فأتناول عادة كل ما يتعلق بالأسرة، وهي النواة الأساسية التي تخدم أفكاري في كل إصدار. بالإضافة إلى طرحي للمواضيع التي ترمي إلى خدمة المجتمع، وأصول التعامل مع العراقيل التي تواجه الفرد في مجتمعنا، وذلك في قالب تشويقي وممتع».
وبرغم ذلك، لا ترى الطنيجي أن هناك اختلافاً يذكر بين كتابات جيل الشباب والرواد، وتقول: «كتاباتي لا تختلف كثيراً عن الجيل السابق، لأن إصدارات الكُتاب المخضرمين لها الدور الأمثل في صقل عقليتنا نحن ككتاب شباب، فلولاهم لما استطعنا أن نمتلك حصيلة الكلمات المُثرية والتعلّم القصصي في سرد الروايات أو القصص القصيرة.
ولكن يُمكنني القول بأننا كشباب لنا دورنا في التقاط المواضيع الجديدة وما يجذب الجيل الذي سيلينا، وخصوصاً الأطفال لتحبيبهم في القراءة بأسلوب السهل الممتنع، وذلك من خلال استخدام الكلمات الدارجة القريبة من قلوبهم، وطرح المواضيع التي تثير اهتمامهم، بما فيها التكنولوجيا وقضايا العالم الرقمي.. ومن المؤكد أن الجيل السابق لم يتطرق لمثل هذه المواضيع، وهذا طبيعي، فهي أولاً لم تكن تثير اهتمام المجتمع، لا بل هي لم تكن موجودة أصلاً للكتابة عنها، أما الآن فنحن نكتب للجيل الذي لديه اهتمامات استشرافية للمستقبل».
وأوضحت الطنيجي: «قدمت مجموعة إصدارات منها يتناول مواضيع المرأة مثل «ذواتا أفنان» ومن ثم «سجية غسق». وهذه الأخيرة، رواية إنسانية استطاعت أن تحوز إعجاب المجتمع؛ لأنني تطرقت من خلالها لـ«متلازمة داون». وذلك من خلال الشخصية التي تدور حولها المشاهد والأحداث».
وأضافت: «أما إصداري الأخير فقد أثار ضجّة واسعة وهو «حضارة لوكاس» وتم تصنيف الرواية ضمن فئة روايات الرعب، وتمت استضافتي في أكثر من محفل ولقاء تلفزيوني للحديث عنها، بما فيها مشاركتي في مهرجان طيران الإمارات للآداب 2022 للتحدث عن حكايات الرعب من خلال هذه الرواية التي لاقت رواجاً كبيراً، وهو ما يُشعرني بمقدرتي في محاكاة الخوارق لجذب الجيل الجديد من هواة القراءة».
حرية الإبداع
ورأى الكاتب سيف الحمادي أن اختلاف الأجيال ليس سبباً في المقارنة بين الموضوعات. وبين أن: «لا شيء يحكم الإبداع. يمكن أن أكتب اليوم عن أشياء حدثت في الماضي، ويمكن أن نجد كاتباً من الجيل السابق كتب عن أشياء سوف تحدث في جيلنا وهكذا.
أما عن كتاباتي، فقد ناقشت فيها مواضيع متعلقة بزمننا الحاضر. والخلاصة أن الكاتب يصور أحداثاً من الواقع، وينقلها في إطار أدبي سلس، لتتماشى مع ما يعيشه المجتمع؛ فهدف كل كاتب إيصال رسالة من خلال قلمه».
وذكر: «طرحت في إصداري الأول رحلة صعود الصعاب التي قد يواجهها الشباب في رحلة تحقيق النجاح في ريادة الأعمال. ولكن في الإصدار الجديد «افهم ما حولك» فقد ناقشت قضايا اجتماعية مختلفة كالصحة النفسية، المخدرات بين الشباب، غلاء المهور، وهكذا هي أشياء تهدد ترابط مجتمعنا، وطرحت فيه تساؤلات للقراء حتى نتوصل لحلول مشتركة».
جرأة أكبر
وأوضحت الكاتبة تهاني الهاشمي: «تناولت في أعمالي قضايا اجتماعية دارجة، فعندما أكتب أوظف حواسي الخمس، وأعتقد أن التكنولوجيا قد حركت مشاعري بعكس الجيل الذي قبلنا، وهو ما شكل فرقاً في الأجيال.
وفي عمل لي في العام 2014، لاحظت الرفض لأحد أعمالي، الذي اعتبر عملاً يتجاوز الخطوط الحمراء. ولكن بمرور الوقت، أصبح الناس يتقبلون مواضيع أكثر جرأة، فالمفاهيم تتغير والانفتاح يزداد ويتوسع، ولا أعتقد أني أمشي بعكس التيار».

Loading

ما مدى اعجابك ؟

انقر على نجمة لتقييمه!

متوسط ​​تقييم 0 / 5. عدد الأصوات: 0

لا أصوات حتى الآن! كن أول من يقيم هذا المنشور.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post

تعرف على السيرة والمسيرة لشيخ الأزهر الشريف أحمد الطيب فى عيد ميلاه الـ76

Next Post

التاريخ.. فرصة غير قابلة للتعويض

Related Posts