dark

رييل ستوري | الإمام الشافعي.. شاعر العلماء وإمام الحكماء وواضع لبنات علم الأصول

0
(0)

الإمام محمد بن إدريس القرشي المُطَّلِبِي الشافعي، يلتقي نسبه مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم في جده عبد مناف، وهو ثالث الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة بعد الإمامين أبي حنيفة النعمان بن ثابت ومالك بن أنس. يوصف بأنه “عقل فقهي ومنهجي عبقري”؛ وبأنه “مجدد القرن الثاني الهجري”، ويعد أول من وضع لبنات علم أصول الفقه بكتابه “الرسالة”. إمام في الفقه والحديث وعلم التفسير، وأديب وشاعر، ساد زمانه واستمر في المسلمين أثره وذكره.

المولد والنشأة

ولد محمد بن إدريس الشافعي بغزة في شهر رجب سنة 150هـ الموافق أغسطس/آب 767م، ولم يكد يحفظ ملامح والده إدريس حتى وافته المنية، فنشأ يتيما في حجر أمه فاطمة بنت عبد الله الأزدية (نسبة إلى قبيلة الأزد)، التي قررت الرجوع به وهو ابن عامين إلى مكة خوفا من أن يضيع أصله ونسبه. وفي تلك الربوع؛ منزل الوحي وانطلاق نور رسالة الإسلام، نشأ وترعرع.

الدراسة والتكوين العلمي

ما إن بلغ سن التمييز حتى دفعت به والدته إلى التعليم رغم الفقر وضيق الحال، فحفظ القرآن الكريم وهو ابن سبع سنين. ويقول عن هذه المرحلة: “ّكنت يتيما في حجر أمي ولم يكن لها مال، وكان المعلم يرضى من أمي أن أخلفه إذا قام”.

ظهرت عليه في وقت مبكر علامات النجابة والذكاء واتقاد العقل، فوجَّهته والدته إلى إتقان تلاوة القرآن وتفسيره على أيدي شيوخ التفسير في المسجد الحرام، وأقبل بعدها على حفظ الحديث النبوي، وكان آية في الحفظ.

مسجد الإمام الشافعي في القاهرة  (الجزيرة)

درس اللغة والنحو، ولما لاحظ دخول الغريب من الكلمات والتعابير في حديث المسلمين الجدد من غير العرب، اتجهت همته إلى اللغة وعمل بنصيحة الليث بن سعد، إمام مصر، بضرورة إتقان اللغة وأسرار بلاغتها وفنون آدابها، وحفظ الشعر الذي سبق نزول القرآن الكريم، لأنه يساعد على فهم معاني عدد من الآيات والأحاديث، ونُصح بالخروج إلى البادية وتعلم كلام هذيل وشعرها؛ فقد كانوا أفصح العرب، وشعرهم غني بكنوز اللغة.

خرج إلى بادية لقبيلة هذيل قريبة من مكة، فعاش مع أهلها سنوات عديدة؛ فحفظ أشعارهم وأخبارهم وكلامهم، وتعلم منهم اللغة والرماية والفروسية. وقد قال الشافعي عن هذه المرحلة “كانت همتي في شيئين: الرمي والعلم، فصرت في الرمي بحيث أصيب من عشرة عشرة”.

عاد بعدها إلى مكة وفي صدره إلى جوار القرآن الكريم والشعر والآداب والأخبار والأنساب، ثروة هائلة من اللغة فتحت له مغاليق المعاني، وأكسبته ذوقا أدبيا أتاح له إدراك لطائف البلاغة وأسرار البيان، لدرجة جعلت الأصمعي يقول “صححت شعر هذيل على فتى من قريش اسمه محمد بن إدريس الشافعي”.

المسار العلمي

بينما هو يسير ذات يوم على دابة تمثل ببيت شعر، قال له كاتب والد مصعب بن عبد الله الزبيري مستنكرا “مثلك يذهب بمروءته في هذا؟ أين أنت من الفقه؟ قال فهزه ذلك وقصد مسلما بن خالد الزنجي مفتي مكة ثم قدم المدينة على مالك”.

أقبل بعدها على أهل الحديث والتفسير من شيوخ مكة وعلمائها، ومن بينهم مقاتل بن سليمان ومسلم بن خالد الزنجي الذي أذن له بالإفتاء، وقال له “آن لك أن تفتي”، لكنه تهيَّب مقام الفتيا واختار الرحلة لطلب مزيد من العلم.

كانت المدينة المنورة أولى منازله في الرحلة، وقصد دار إمام دار الهجرة مالك بن أنس بعدما حفظ موطأه كاملا، فلازمه يفيد من علمه، ورحل بعدها إلى الكوفة بالعراق فتتلمذ على القاضي محمد بن الحسن الشيباني وأبي يوسف، وأخذ من علمهما ونسخ كتبا عديدة، وانتقل بعدها إلى بلاد فارس وغيرها، فاستغرقت رحلته سنتين ازداد فيهما فقها وعلما بالأمصار وأحوال الناس وطباعهم.

وظيفة ومحنة

لما عاد إلى المدينة لازم الإمام مالكا حتى وفاته سنة 179هـ، ففكر في عمل يدفع به حاجته، ووافق ذلك قدوم والي اليمن إلى الحجاز وطلب أن يصحبه معه (قيل إن بعض القرشيين تدخلوا لدى الوالي لأجل اصطحابه معه بعدما أثنوا على نسبه وعلمه وأخلاقه) وولاَّه على نجران.

كانت تلك أول وآخر وظيفة تقلدها الشافعي، وتسببت له في محنة كادت تهلكه، إذ جلب له حسن تدبيره وارتفاع ذكره بين الناس -شكرا وتقديرا لعلمه وعمله- المتاعب مع الوالي لما أبى أن يقره على مظالمه الكثيرة.

ووافق ذلك خروج تسعة من العلويين في اليمن على الخلافة، فاستغلها الحاقدون بمن فيهم الوالي، ووشوا به عند الخليفة هارون الرشيد بتهمة أنه رأس الخارجين عليه، وكتب الوالي للخليفة: إن الشافعي “وتسعة آخرين من العلويين يكادون يخرجون على الحاكم … ولا أمر لي معه ولا نهي، فهو يعمل بلسانه ما لا يقدر عليه المقاتل بسيفه”، فأمره الرشيد باعتقالهم وإرسالهم إليه، فاقتيد مع التسعة إلى بغداد على ظهر بغل سنة 184هـ مثقلا بالأغلال في عنقه والحديد في قدميه وعمره 34 سنة.

ولم ينج الشافعي من المحنة إلا باللطف الإلهي وفطنته وقوة حجته، وشهادة شيخه القاضي محمد بن الحسن لصالحه عند الخليفة. وذكر الشافعي هذه المحنة في الجزء الأول من كتابه “الأم”، وروى أنهم دخلوا على الرشيد، وأمر بقطع رؤوسهم واحدا تلو الآخر إلى أن وصل دوره فقال “ثم قدمت ومحمد بن الحسن جالس معه، فقال لي مثل ما قال للفتى (الذي مر قبله) فقلت: يا أمير المؤمنين لست بطالبي ولا علوي، وإنما دخلت في القوم بغيا عليهم، وإنما أنا رجل من بني المطلب بن عبد مناف من قصي، ولي مع ذلك حظ من العلم والفقه، والقاضي يعرف ذلك، أنا محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف. فقال لي: أنت محمد بن إدريس؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، قال: ما ذكرك لي محمد بن الحسن. ثم عطف على محمد بن الحسن، فقال: يا محمد ما يقول هذا، هل هو كما يقول؟ قال: بلى وله من العلم محل كبير، وليس الذي رفع عليه من شأنه، قال: فخذه إليك حتى أنظر في أمره”.

مدونات - كتاب مسند الإمام الشافعي
كتاب مسند الإمام الشافعي (مواقع التواصل الاجتماعي)

وتذكر كتب التاريخ أن الرشيد أمر في أثناء الحوار مع الشافعي بفك الحديد عنه وأجلسه، ثم أمر القاضي محمد بن الحسن الشيباني باصطحابه وإكرامه، وقد أقنع القاضي الخليفة حتى رضي عنه واقتنع ببراءته، وعقد له مجلسا لأهل العلم والفقه وعلوم أخرى ليختبره، فأعجب والحضور بسعة علمه وحسن منطقه فأكرمه بالعطايا.

كانت للشافعي في هذه المرحلة مناظرات علمية مشهودة مع محمد بن الحسن وغيره، وقد أعجب الرشيد بمنطق الشافعي وقوة حجته، وبلغ صيته كل أهل العراق، وتحدثت عنه كتب الفقه والحديث والتاريخ. وقد حاول محمد بن الحسن أن يجذبه إلى صف الخليفة، الذي عرض عليه أن يوليه القضاء أو يجعله واليا على أي بلاد يختارها، لكنه آثر البقاء بعيدا عن المناصب والصراع السياسي، فاستعفاه واستأذنه في التفرغ للعلم، إذ أقبل على علوم الرياضيات والفيزياء والعلوم الطبيعية وغيرها، ثم استأذن في العودة إلى مكة.

وعدّ بعض العلماء هذه المحنة سببا في ابتعاده عن الولاية والسلطان، إذ رفض تولي القضاء وتفرغ للعلم بعدما أكرمه هارون الرشيد بمال وفير، تصدق بنصفه على فقراء مكة تنفيذا لوصية والدته، ودبّر أمور معيشته بالباقي.

العودة إلى بغداد

مكث نحو تسع سنوات في مكة يُلقي دروسه في الحرم المكي، ويلتقيه كبار العلماء في موسم الحج، ثم سافر مرة أخرى إلى بغداد سنة 195هـ، فأقبل عليه العلماء والمحدثون وأهل الرأي، وأصبح لديه تلاميذ وأتباع بالعراق، من أشهرهم الإمام أحمد بن حنبل، الذي لم يفارق مجلسه بجامعها الغربي. وهناك ألف كتاب “الرسالة” الذي وضع به الأساسَ لعلم أصول الفقه، أي شروط الاستدلال بالقرآن والسنة والإجماع والقياس، وبيان الناسخ والمنسوخ ومراتب العموم والخصوص وغير ذلك.

ولما تولى المأمون الخلافة، عزم الشافعي على الرحيل لما لاحظه من غلبة الفرس ونفوذهم في دوائر الحكم، وتشجيع الحاكم الجديد على الفلسفة والترجمة، والخوض في علم الكلام الذي كان ينهى عنه ويقول “ما ارتدى أحد بالكلام فأفلح”. وعرض عليه المأمون تولي القضاء فاستعفى واستأذن للسفر إلى مصر سنة 199هـ/815م.

كتاب الرسالة للإمام الشافعي
كتاب الرسالة للإمام الشافعي (الجزيرة)

الرحيل إلى مصر

خرج أهل بغداد لوداعه ومنهم أحمد بن حنبل وهو ممسك بيده فقال له الشافعي:

لقد أصبحت نفسي تتوق إلى مصر ** ومن دونها أرض المهام والفقر

ووالله لا أدري أللعز والغنى** أساق إليها أم أساق إلى القبر

فبكى الإمام أحمد، ورافقه في سفره ثلة من تلاميذه منهم ابن الزبير الحميدي والربيع. ولما وصل إلى مصر ألقى الدروس بجامع عمرو بن العاص، فتعلق به الناس وأحبوه وأقام بين ظهرانيهم أربع سنين ونيّفًا، أعاد فيها كتابة مصنفه “الرسالة”، وراجع عددا من آرائه وأقواله في كتبه ونقحها على ضوء ما حصَّله من العلم عبر رحلاته، لا سيما في المدينة والعراق، فأفاد من محاسن مدرستي أهل الرأي وأهل الحديث، ليؤسس مدرسة جديدة تجمع بينهما. ويسَّر الله له تلاميذ نشروا علمه ومذهبه.

شيوخه

أخذ العلم عن شيوخ وعلماء كثر، فبمكة أخذ عن سفيان بن عيينة، ومسلم بن خالد بن فروة الزنجي، ومقاتل بن سليمان، وعمه محمد بن علي بن شافع، وعبد الرحمن بن أبي بكر المليكي، وسعيد بن سالم، والفضيل بن عياض وغيرهم.

وأخذ بالمدينة عن الإمام مالك بن أنس، وعن إبراهيم بن سعد الأنصاري، وإبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي، ومحمد بن سعيد بن أبي فديك، وعبد الله بن نافع الصائغ وغيرهم.

وبالعراق أخذ عن كبار تلاميذ الإمام أبي حنيفة؛ وأبرزهم القاضي محمد بن الحسن الشيباني وأبو يوسف، كما أخذ عن وكيع بن الجراح بن مليح، وأبي أسامة حماد بن زيد، وإسماعيل بن علية وغيرهم. وباليمن أخذ عن هشام بن يوسف قاضي صنعاء، وأخذ عن عمرو بن أبي سلمة علم الإمام الأوزاعي، وعن يحيى بن حسان أخذ علم الليث بن سعد.

تلاميذه

أخذ العلم عن الشافعي عدد كبير من التلاميذ، أبرزهم رابع أئمة المذاهب الفقهية المعتمدة عند أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل، وأبو محمد الربيع بن سليمان المرادي، والربيع بن سليمان الجيزي، وعبد الله بن الزبير الحميدي، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري.

كما أخذ عنه أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني، الذي لازمه منذ أن قدم مصرا ووصف بأنه حافظ مذهب الشافعي، وهو الذي ألف الكتب التي عليها مدار المذهب الشافعي بعد كتب الإمام. كما تتلمذ على الشافعي علماء آخرون كالحارث المحاسبي أحد أعلام التصوف، والحارث بن سريج البغدادي.

أصول مذهبه الفقهي

كان الشافعي على مذهب شيخه الإمام مالك بن أنس، لا يخرج عنه في الفتوى، لكن رحلته العلمية مكنته من الاطلاع على أحوال غير التي كانت سائدة بالحجاز، ولا سيما في العراق، حيث كثرة الملل والمذاهب والنحل واختلاط الأعراق والقبائل، فاكتسب مزيدا من العلم ورأى أن طرق بناء الفتوى تُدخل الواقع في الاعتبار ومنهج النظر في النوازل.

وأسهم ذلك كله في تأسيس مذهب خاص به في الاجتهاد وبناء الأحكام الشرعية في العراق، ثم لما يرحل إلى مصر واستقر بها وتبنى مذهبا جديدا يجمع فيه بين منهجي أهل الحديث وأهل الرأي، بعدما راجع كثيرا من آرائه وفتاواه الفقهية التي قال بها في العراق، كما أعاد تصنيف عدد من كتبه، خاصة “الرسالة” و”الأم”، وهذا ما يفسر ما تتضمنه كتب الشافعية من عبارات “قول الإمام الشافعي في مذهبه الأول (المذهب العراقي) أو قوله في مصر أي في مذهبه الثاني”.

أقام الشافعي مذهبه الفقهي -الذي توفي عليه-على خمسة أصول مضبوطة فصلها في كتابيه “الأم” و”الرسالة” وهي:

  • الأصل الأول: كتاب الله تعالى الذي يحتاج إلى معرفة باللغة العربية ومعانيها وأسرارها.
  • الأصل الثاني: السنة النبوية ولو كان راوي الحديث واحدا، شريطة أن يكون ثقة في دينه معروفا بالصدق حافظا عالما بما يحدث به، بريئا من التدليس في روايته، متصل السند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
  • الأصل الثالث: الإجماع كأن يقول بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قولا ولا يُعلم له مخالف.
  • الأصل الرابع: يقدم قول الصحابي ويفضله بدل إعمال الرأي إذا لم يجد في الكتاب والسنة والإجماع مراده.
  • الأصل الخامس: القياس الذي اعتبره مرادفا للاجتهاد وأعلى مراتبه.

مؤسس علم أصول الفقه

يشرح ابن خلدون في “المقدمة” باختصار السياق التاريخي الذي أسس فيه الإمام الشافعي علم أصول الفقه بكتابه “الرسالة”، استجابة لطلب صديقه الإمام العالم عبد الرحمن بن مهدي، فيقول “واعلم أن هذا الفن من الفنون المستحدثة في الملة، وكان السلف في غنية عنه، بما أن استفادة المعاني من الألفاظ لا تحتاج إلى أزيد مما عندهم من الملكة اللسانية، وأما القوانين التي يحتاج إليها في استفادة الأحكام خصوصا، فمنهم من أخذ معظمها، وأما الأسانيد فلم يكونوا يحتاجون إلى النظر فيها لقرب العصر وممارسة النقلة وخبرتهم بهم، فلما انقرض السلف وذهب الصدر الأول، وانقلبت العلوم كلها صناعة كما قررناه من قبل، احتاج الفقهاء والمجتهدون إلى تحصيل هذه القوانين والقواعد لاستفادة الأحكام من الأدلة، فكتبوها فنا قائما برأسه سموه أصول الفقه، وكان أول من كتب فيه الشافعي رضي الله تعالى عنه”.

ويظهر من كلام ابن خلدون أن الصحابة والتابعين مارسوا تلك القواعد في اجتهاداتهم، وتمثلوا تلك الضوابط ملكة وسليقة، من دون أن تكون لها مصطلحات وقواعد مضبوطة وتسميات دقيقة، فجاء الشافعي فأسس لجمع هذه القواعد وتصنيفها في كتابه “الرسالة”، فدشن بذلك منهجا لاستنباط الأحكام ومناهج الاستدلال التي هي روح علم أصول الفقه.

واستعان الشافعي في ذلك بخبرته بالمدرستين الرئيسيتين في الفقه الإسلامي؛ أهل الحديث وأهل الرأي، حيث يقول ابن حجر العسقلاني “فاجتمع له علم أهل الرأي وعلم أهل الحديث، فتصرف في ذلك حتى أصل الأصول وقعد القواعد، وأذعن له الموافق والمخالف، واشتهر أمره وعلا ذكره وارتفع قدره حتى صار منه ما صار”.

شاعر العلماء وإمام الحكماء

تميَّز الإمام الشافعي عن باقي الأئمة الأربعة بميوله الأدبية الشعرية وهي من بركات عيشه في منطقة هذيل، حتى وصف بأنه “شاعر العلماء وإمام الحكماء”، وقيل عنه “يبدو أن الشعر قد غلب الإمام الشافعي فجرى في مداده من غير سعي ولا طلب”، رغم أنه كان يحرص على التقليل منه ويقول في ذلك:

ولولا الشعر بالعلماء يزري ** لكنت اليوم أشعر من لبيد

وأَشجعَ في الوغي من كل ليث ** وآل مهلب وبني يزيد

وقد جمع شعره في ديوان حمل اسمه ضم حوالي 143 قصيدة، لا تزال تتردد بين الناس لما فيها من عمق الحكمة وسهولة العبارة وجمال الأسلوب، عبَّر فيها عن مراحل مختلفة من حياته، ولحظات مناجاته للخالق كقوله مثلا:

إليك إله الخلق أرفع رغبتي ** وإن كنتُ -يا ذا المنِّ والجود- مجرما

ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي ** جعلت الرجا مني لعفوك سلما

كما عكس في شعره أسلوبه في التعامل مع الذات والآخر، من قبيل قوله:

صُنِ النفس واحملها على ما يزينها ** تعش سالما والقول فيك جميل

ولا تُرينَّ الناس إلا تجملا ** نبا بك دهر أو جفاك خليل

وإن ضاق رزق اليوم فاصبر إلى غد ** عسى نكبات الدهر عنك تزول

ولا خير في ود امرئ متلون ** إذا الريح مالت مال حيث تميل

وما أكثر الإخوان حين تعدهم ** ولكنهم في النائبات قليل

المؤلفات

ألف الإمام الشافعي كتبا عديدة في الفقه وأصوله والحديث والتفسير والأدب واللغة، شكلت إرثا فكريا ثمينا، ومن أبرز مؤلفاته:

  • كتاب الرسالة الذي ألفه في العراق تم أعاد تنقيحه في مصر.
  • كتاب أحكام القرآن، وقد جُمع بعد وفاته، ويضم شرحه لآيات قرآنية وفق مذهبه وعلمه.
  • كتاب جماع العلم، الذي دافع فيه عن السنّة وحجيتها، وأثبت ضرورة اتباعها وكذلك فرائض وأركان الدين الإسلامي.
  • كتاب إبطال الاستحسان.
  • كتاب مسند الإمام الشافعي، ويضم الأحاديث النبوية التي تأكد بنفسه من إسنادها وصحتها.
  • كتاب اختلاف الحديث، وقد أزال فيه اللبس والخلاف عن بعض الأحاديث.
  • كتاب اختلاف مالك والشافعي
  • كتاب الأم، وهو سفر عظيم من عدة أجزاء، وقد وصف بأنه “الموسوعة الفقهية التأسيسية للمذهب الشافعي”، وكان آخر ما كتبه في حياته، وضمنه خلاصة أفكاره، وحججه في  المسائل الفقهية المختلف عليها، كما ضمنه وصيته.

الوفاة

توفي الأمام الشافعي في آخر ليلة من رجب سنة 204هـ الموافق 20 يناير/كانون الثاني 820م وعمره 54 عاما بعد مرض أنهكه.

ودفن بالقاهرة واحتفى به المصريون حيا وميتا، إذ بنوا لقبره ضريحا وقبة أمر صلاح الدين الأيوبي سنة 575هـ/1179م بتجديدها بقبة مطلية بالنحاس الأصفر.

كما بنيت بجوار ضريحه المدرسة الصلاحية وأصبحت مركزا لنشر الفقه الشافعي. ويعتبر ضريح الشافعي في منطقة مصر القديمة وسط القاهرة من أكبر الأضرحة في مصر.

Loading

ما مدى اعجابك ؟

انقر على نجمة لتقييمه!

متوسط ​​تقييم 0 / 5. عدد الأصوات: 0

لا أصوات حتى الآن! كن أول من يقيم هذا المنشور.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post

رييل ستوري | فائق المبحوح.. لواء شرطة في غزة اغتالته إسرائيل

Next Post

اخشع في صلاتك برمضان

Related Posts