dark

هل تستطيع النساء العربيات مقاومة عولمة المثل العليا للجمال الغربي في المنطقة

0
(0)

أثار مقال نشر في عدد من مجلة الإيكونوميست بتاريخ 30 يوليو 2022، حول انتشار السمنة بين النساء العربيات، انتقادات شديدة على وسائل التواصل الاجتماعي. وقالت الممثلة العراقية إيناس طالب التي استُخدمت صورتها لتوضيح كيف أن النساء العربيات أكثر عرضة لزيادة الوزن إنها تريد اعتذارًا علنيًا ورفعت دعوى قضائية ضد المجلة. وعبرت طالب عن شعورها بأن العنوان الرئيسي للمقال كان ”عبارة حاقدة”. وكُتب بخط عريض فوق صورة للممثلة العراقية وهي تلوح بيدها على خشبة المسرح في مهرجان للفنون ”لماذا النساء أكثر بدانة من الرجال في العالم العربي؟”.

لندن – استعرض مقال في مجلة الإيكونوميست البريطانية تفسيرات محتملة لفجوة السمنة البالغة 10 نقاط مئوية بين الرجال والنساء في الشرق الأوسط، ثم استشهد بالعراقيين الذين يرون منحنيات الممثلة العراقية إيناس طالب على أنها المثل الأعلى للجمال.

وتكررت كلمة “سمينة”، وهي كلمة تعتبر الآن من المحرمات في الكثير من وسائل الإعلام الغربية ست مرات في المقال.

أثار المقال انتقادات شديدة على وسائل التواصل الاجتماعي. وانتقد مستخدمو تويتر المجلة ووصفوها بأنها “كارهة للنساء”. وأصدرت الجماعات الحقوقية المحلية تنديدات. وأصيب بعض الكتاب بالفزع مما وصفوه بـ”الصور النمطية المهينة عن المرأة العربية”.

وقالت طالب (42 سنة) إنها تقاضي المجلة التي تتخذ من لندن مقراً لها بتهمة التشهير.

التشهير بالجسد

أماني أسيبي: هناك علامات على تنامي الوعي، يتجه العرب بشكل متزايد إلى وسائل التواصل الاجتماعي للرد على التنمر

بينما يقر المحللون بانتشار وباء السمنة في العالم العربي وعلاقته بالفقر والتمييز بين الجنسين، فإن حالة طالب وما تلاها من ضجة ألقت الضوء على قضية التشهير بالجسد التي تتجذر بعمق ولكن نادرًا ما تتم مناقشتها في المنطقة.

وقالت طالب “إذا كانت هناك طالبة تذهب إلى المدرسة وتسمع تعليقات عنيفة وكان الطلاب يتنمرون عليها لكونها سمينة، فكيف ستشعر؟” وأضافت لوكالة أسوشيتد برس “هذا المقال ليس إهانة لي فقط بل انتهاك لحقوق جميع النساء العراقيات والعربيات”.

ونددت مؤسسة “هي” التي تتخذ من بغداد مقرا لها وتدافع عن حقوق المرأة في الإعلام بالتقرير ووصفته بأنه “تنمر” وطالبت المجلة بالاعتذار لطالب.

وقالت مؤسسة مساواة ومقرها ماليزيا، والتي تروج للمساواة في العالم الإسلامي، إن رد الفعل العنيف يظهر أن “النساء في المنطقة يبنين خطابًا جماعيًا يرفض التمييز الجنسي والعنصري والرهاب من الدهون”.

قالت طالب، مقدمة البرامج الحوارية والنجمة في الدراما التلفزيونية العراقية الرائجة، إنه لم يكن أمامها خيار سوى التحدث. وأضافت “لقد استخدموا صورتي في هذا السياق بطريقة مؤلمة وسلبية”. “أنا ضد استخدام شكل الجسم لتحديد قيمة الإنسان”.

قالت محاميتها، سامانثا كين، إنها بدأت الإجراءات القانونية، حيث أرسلت أولاً خطابًا إلى مجلة الإيكونوميست تطالب فيه بالاعتذار عن “الضرر الجسيم الذي لحق بطالب وحياتها المهنية”.

قالت طالب إنها تأمل في أن تكون قضية التشهير التي قدمتها بمثابة “رسالة” إلى المرأة لتقول “أنا أحب نفسي لأكون قوية في مواجهة الصعوبات”.

التشهير بالمرأة العربية ذات الوزن الزائد ليس مفاجأة في عالم تقوم فيه معظم وسائل الإعلام بتسليع المرأة وتحويلها إلى أضحوكة أو وسيلة إغراء

إنها رسالة يتردد صداها في منطقة ترى فيها النساء أن الشكوك مكدسة ضدهن. المواقف التقليدية والتشريعات التمييزية والتفاوتات في الأجور، بالإضافة إلى معايير الجمال الصارمة، تعيق تقدم المرأة.

وقالت زينة طارق، مديرة مؤسسة “هي” إن “المرأة لا تحصل على رواتب متساوية مع الرجل. لا تحصل على مناصب رفيعة. إنها مجبرة على التزام الصمت عند تعرضها للمضايقة. وفي وسائل الإعلام، يجب أن تكون نحيفة وجميلة”.

وفي موطن طالب في العراق، حيث تندر السلامة بعد سنوات من الصراع، تواجه النساء اللواتي يتحدثن بصراحة خطر القتل.

وقالت الصحافية العراقية منار الزبيدي إن التشهير بالمرأة العربية ذات الوزن الزائد ليس مفاجأة في عالم “تقوم فيه معظم وسائل الإعلام بتسليع المرأة وتحويلها إلى أضحوكة أو وسيلة إغراء”.

وأضافت “لا يوجد ما يمنعهم من ذلك، باستثناء الحملات على وسائل التواصل الاجتماعي”.

عادات متجذرة

 

رحلة البحث عن معايير جسدية مثالية
رحلة البحث عن معايير جسدية مثالية 

 

استعرضت مجلة الإيكونوميست بالإحصاءات، وشهادات نساء من المنطقة، الأسباب وراء ذلك، التي تعود في غالبيتها إلى مكانة المرأة في المجتمع، وعادات متجذرة تمنع المرأة من الحفاظ على وزنها.

ويشير التقرير إلى حالة العراقية زينب (60 عاما) التي تعمل في مطعم في بغداد ولا تستطيع تحمل تكاليف شراء طعام صحي، وتعتمد فقط على ما يعطيه لها مديرها من طعام يحتوي على الكثير من الزيوت. وتحصل هي وبناتها الأربع على حصص من الفاكهة، في يوم واحد فقط في الأسبوع، من التبرعات التي تأتيها من أهل الحي الذي تقطن فيه.

ويقول التقرير إن زينب تزن 120 كيلوغراما، وعلى الأرجح ستكون بناتها أيضا سمينات في المستقبل، لأنها تفضل البقاء على حالتهن الاقتصادية الحالية، بدلا من خروجهن للعمل والتعرض لمضايقات الرجال.

وفي جميع أنحاء العالم، يعاني 15 في المئة من النساء من السمنة، مقابل 11 في المئة من الرجال، مما يعني أن مؤشر كتلة الجسم لديهن (bmi) هو 30 أو أعلى.

لكن فجوة السمنة تختلف في جميع أنحاء العالم، خاصة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تشهد أكبر نسبة تفاوت بين الجنسين.

وفي الشرق الأوسط، 26 في المئة من النساء مصابات بالسمنة مقابل 16 في المئة من الرجال. وفي عام 2019، سجلت ثماني دول عربية من بين 11 دولة أعلى نسبة وفيات بسبب السمنة (معظمها بسبب أمراض القلب والسكري وارتفاع ضغط الدم).

ومنذ عام 1975، ازدادت نسبة السمنة لدى النساء في الدول العربية بمعدل أسرع من الرجال، مع انتشار الوجبات السريعة بشكل مطرد.

ويقول البنك الدولي إن خُمس النساء فقط في الدول العربية يحصلن على وظائف، وفي العراق تصل النسبة إلى واحدة من بين كل 10.

وهذا يعني أن معظم النساء في المنطقة يقضين معظم أوقاتهن في المنزل، وبينما تنشط النساء العاملات في مناطق أخرى من العالم في المستشفيات والفصول الدراسية والمطاعم، في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يتولى الرجال العديد من هذه الوظائف.

 

معظم النساء في الدول العربية يقضين معظم أوقاتهن في المنزل
معظم النساء في الدول العربية يقضين معظم أوقاتهن في المنزل

 

والسبب الآخر هو قلة ممارسة الرياضة، فعندما يصلن إلى سن البلوغ، تكون ممارسة الرياضة في الأماكن العامة أمرا “مستهجنا” أحيانا.

ويقول رجل عراقي يلعب كرة القدم في الهواء الطلق، لكنه لا يسمح لأخته بأن تحذو حذوه “لا نحب أن تكون الفتيات في الشارع”، ويقول إن لديها جهاز المشي في المنزل.

وتتعرض النساء للمضايقات في حال قررن الركض في الشوارع. وتقول امرأة عراقية “عندما أمشي مع كلابي، يجب أن أشغل الموسيقى لتفادي سماع المضايقات”.

والتنزه يكون فقط في مراكز التسوق المكيفة، ورغم أن بعض النوادي الرياضية تلبي احتياجات النساء، فإنها غالبا ما تكون في المدن الكبرى.

ويشير التقرير إلى أن النساء الفقيرات في مصر أكثر سمنة من النساء الثريات، اللواتي يحصلن على فرص الخروج من المنزل، والنساء في مصر لديهن أعلى نسبة مؤشر كتلة الجسم (bmi)، باستثناء بعض جزر المحيط الهادئ.

والسبب يعود بدرجة كبيرة إلى النظام الغذائي، فالمصريون يحصلون على 30 في المئة من سعراتهم الحرارية من الخبز، وغالبيته مدعوم.

وتريد وفاء الخطيب، وهي ربة منزل في بغداد، التخفيف من وزنها، وتحاول مقاومة إغراءات الطهي. وتقول “مشكلة العراقيين هي الكربوهيدرات”، مشيرة إلى أن عائلتها تأكل الأرز والخبز في كل وجبة تقريبا.

والسبب الآخر للسمنة، وفقا لبعض النساء، هو أن العديد من الرجال العرب يفضلون النساء ممتلئات الجسم.

وتخشى شيرين رشيد، وهي ربة منزل عراقية أخرى أن تفقد بعض الوزن لأن هذا “يفقدها أنوثتها”. وتقول إن زوجها لا يريدها أن تفقد وزنها على الإطلاق، وتخشى أنها “ستشعر وكأنها قطعة خشب في السرير”، على حد تعبيرها.

غزوات جديدة

 

الممثلة إيناس طالب أكدت أنها تعارض استخدام شكل الجسم لتحديد قيمة الإنسان
الممثلة إيناس طالب أكدت أنها تعارض استخدام شكل الجسم لتحديد قيمة الإنسان

 

ويعتبر التشهير بالسمنة أمرًا مسيئًا بدرجة  كبيرة في الولايات المتحدة لدرجة أنه عندما دعا اثنان من المعلقين الرياضيين بعض الرياضيات الإناث إلى إنقاص وزنهن في وقت سابق من هذا العام تم فصلهما بسرعة.

أما في الشرق الأوسط، فإن الرغبة في النساء السمينات قد تساعد في تفسير سبب انتشار السمنة في المنطقة.

لكن رد الفعل الغاضب على مقال الإيكونوميست – ورعب طالب من استخدام صورتها لتوضيح تزايد محيط الخصر للنساء العربيات – يتناقض مع الاعتقاد المتكرر بأن الوزن الثقيل يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه علامة على الثراء والخصوبة في المنطقة.

أظهرت الأبحاث أن عولمة المثل العليا للجمال الغربي من خلال العلامات التجارية والتلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي أدت منذ فترة طويلة إلى ظهور معايير جسم غير واقعية تحرف توقعات النساء عن أنفسهن والآخرين في العالم العربي.

في دراسة عن مصر، قال جوان كوستا فونت من كلية لندن للاقتصاد إنه وجد أنه على الرغم من أن بعض النساء الأكبر سنًا في المناطق الريفية ما زلن يعتبرن النساء البدينات الأكثر ثراءً، فـ”ليس صحيحًا في مصر أن زيادة الوزن علامة على الجمال… المعايير الغربية أكثر صلة بالموضوع”.

ازدهر الطلب على الجراحة التجميلية في لبنان. وأفادت حوالي 75 في المئة من الطالبات الإماراتيات بعدم الرضا عن أجسادهن، وتبين أن 25 منهن معرضات لاضطرابات الأكل، وفقًا لدراسة أجريت في عام 2010 في جامعة زايد بدبي.

لا يزال التشهير بالسمنة منتشرًا ومقبولًا في الدول العربية مقارنة بالولايات المتحدة وأوروبا

ومع ذلك، يقول الكثيرون، لا يزال التشهير بالسمنة منتشرًا ومقبولًا في المنطقة، مقارنة بالولايات المتحدة وأوروبا، حيث اكتسبت حركات احترام الذات زخمًا وحفزت المناقشات العامة حول الشمولية.

وتقول جمانة حداد الكاتبة اللبنانية والناشطة في مجال حقوق الإنسان إن “ساستنا في لبنان يواصلون الإدلاء بهذه التعليقات الفظيعة والمتحيزة جنسياً حول أجساد النساء”. وتضيف “رغم تعرضهم للانتقادات فهذا لا يؤدي بالضرورة إلى زيادة الوعي”.

وأشارت حداد إلى أن الغزوات الجديدة في مجال تمكين المرأة قد أثارت “خطابا رجعيا” من اللبنانيين في المجتمع الأبوي. وأضافت أنه حتى التعليقات العامة المتعجرفة حول الوزن يمكن أن تكون مؤلمة للغاية للشابات اللائي يعانين من انعدام الأمن والإرادة المرضية لتغيير أجسادهن سعياً وراء الجمال.

وأضافت حداد “أنا أبلغ من العمر 51 عامًا مناصرة نسائية قاسية وغاضبة وما زلت أزن نفسي كل صباح.. يمكنك أن تتخيل مدى صعوبة الأمر على الأشخاص الأقل حظًا”.

وبالنسبة إلى أماني أسيبي، وهي امرأة تونسية فقد تغلبت على وصمة العار الاجتماعية لتصبح أول عارضة أزياء في العالم العربي، قالت إن إيجابية الجسم لا تزال من المحرمات في الشرق الأوسط حتى مع زيادة الوزن لدى السكان.

وتقول “الكويتيون ذوو حجم زائد والسعوديون ذوو حجم زائد. لكن الناس يخجلون. لم يتم تعليمهم أن يكونوا واثقين من أنفسهم في مجتمعاتهم”.

لكنها قالت إن هناك علامات على تنامي الوعي، بعد سنوات من تجاهل التعليقات المبتذلة حول أجساد النساء، يتجه العرب بشكل متزايد إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتنفيس عن غضبهم والرد على التنمر.

Loading

ما مدى اعجابك ؟

انقر على نجمة لتقييمه!

متوسط ​​تقييم 0 / 5. عدد الأصوات: 0

لا أصوات حتى الآن! كن أول من يقيم هذا المنشور.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post

أكرم القصاص يكتب: 70 عاما.. 23 يوليو فى زمانها ومكانها

Next Post

أساطير الأولين

Related Posts