dark

معركة جناق قلعة.. يوم هزم العثمانيون بريطانيا وفرنسا وحطموا أساطيلهما

0
(0)

في عام 1914، وقعت الحرب العالمية الأولى التي استمرت أربع سنوات سقط فيها ما يقارب العشرين مليون قتيل، بالإضافة إلى عشرات الملايين من الجرحى والمُشرَّدين في القارة الأوروبية، فضلا عن امتداد شرارة الحرب إلى آسيا وأفريقيا الشمالية. ورغم أن السبب المباشر لنشوب الحرب العالمية الأولى كان حادثة اغتيال ولي عهد النمسا “فرانز فرديناند” مع زوجته بواسطة طالب صربي في يونيو/حزيران عام 1914 أثناء زيارتهما لسراييفو في البوسنة، فإن الدارسين رصدوا جملة من الأسباب الفعلية مهَّدت لنشوب الحرب، أبرزها توتر العلاقات الدولية في مطلع القرن العشرين بسبب توالي الأزمات والحروب والصراعات على تركة الدولة العثمانية.

أحد هذه الأزمات هي أزمة منطقة البلقان وتصارع الدول الأوروبية للسيطرة عليها وطرد الخلافة العثمانية منها، فقد سيطرت النمسا على البوسنة والهرسك عام 1908، واشتعلت حربا البلقان الأولى والثانية في السنوات التالية مباشرة، وهناك كذلك الصراع بين فرنسا وألمانيا وإيطاليا على النفوذ في شمال أفريقيا. وأدَّت كل هذه الأحداث إلى نمو النزعة القومية داخل أوروبا وتطلُّع بعض الأقليات إلى الاستقلال وتأزُّم العلاقات بين الدول.

يُضاف إلى ذلك تزايد التنافس الاقتصادي والتجاري بين الدول الإمبريالية لاقتسام النفوذ حول العالم والسيطرة على الأسواق لتصريف فائض الإنتاج الصناعي والمالي والتزوُّد بالمواد الأولية، فضلا عن دخول الدول الإمبريالية في تحالفات سياسية وعسكرية أدَّت إلى سباق تسلُّح بين الدول المتنافسة التي رفعت من نفقاتها العسكرية. وبعد حادثة اغتيال ولي عهد النمسا، وجَّهت النمسا إنذارا لصربيا في 23 يوليو/تموز 1914 تطلب فيه الموافقة على 10 مطالب في غضون يومين. ورغم أن صربيا وافقت على معظم هذه المطالب، فإن النمسا عدَّت عدم الوفاء بها كاملة بمنزلة رفض للمطالب جميعها، فأعلنت الحرب على صربيا بعد أيام رغم المساعي الدولية لحل الخلاف[1].

كانت الدولة العثمانية رغم دخولها في طور الضعف منذ القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بمنزلة أكبر نُقطة توازن سياسي وإستراتيجي بين الممالك والدول الأوروبية التي حكمت العالم القديم من جهة، مثل روسيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والنمسا وإيطاليا، وبين الممالك الصغيرة التي ارتبطت بهذه الإمبراطوريات الكبيرة مثل بلغاريا واليونان ورومانيا من جهة أخرى. ولكن حين اشتعل الصراع في القارة الأوروبية، لجأت كلٌّ من فرنسا وإنجلترا إلى استقطاب الإمبراطورية الروسية القيصرية، وبناء على وعود فرنسية-بريطانية بدعم الروس والتقسيم العادل لثروات وأراضي الدولة العثمانية، تطلَّعت روسيا إلى احتلال مضايق البوسفور والدرنديل، فضلا عن احتلال إسطنبول (القسطنطينية) العاصمة التاريخية للإمبراطورية البيزنطية الأرثوذكسية التي أسقطها العثمانيون قبل ذلك بخمسة قرون. وقد كان الروس ولا يزالون يرون أنفسهم الورثة الشرعيين لهذه الإمبراطورية الدينية التاريخية. ومن جهتها، لم يكن للنمسا حليف حتى تلك اللحظة، ولذا سرعان ما طلبت معونة ألمانيا التي استجابت لها، وكذلك فعلت بلغاريا التي تحكم علاقتها بصربيا عداوة تاريخية من عداوات أولاد العم التقليدية، ومن ثمَّ تشكَّل رويدا “المحور” الذي خسر الحرب في الأخير، بعد أن دفع العثمانيين إلى التورُّط معه فيها.

رغم كل هذه الصراعات في قلب القارة الأوروبية، ظلَّت الدولة العثمانية تنأى بنفسها عن هذا الصراع الدامي، لا سيما وقد خرجت من حربَيْ البلقان الأولى والثانية بهزائم مُفجعة. غير أن توجُّهات العسكريين الثلاثة “طلعت” و”أنور” و”جمال”، الذين حكموا الدولة العثمانية بعد انقلابهم على السلطان “عبد الحميد الثاني” عام 1908 وسيطروا على الحُكم فعليا، سرعان ما أدخلت الدولة العثمانية حربا أخرى، وعالمية هذه المرة. فحين اندلعت الحرب العالمية الأولى، وأعلنت ألمانيا الحرب على روسيا في أغسطس/آب 1914، كانت جمعية الاتحاد والترقي واقعة تحت تأثير “الإعجاب بالألمان” ونموذج دولتهم، ورأى زعماء الاتحاد والترقي أن مستقبل الدولة العثمانية مُعلَّق بانتصار ألمانيا. ولذا، بعد انتصار الدول المتحالفة، وقعت الكارثة وضاعت الأراضي العربية، بل وقُسِّمَت أيضا أراضي الأناضول بين عدد من الدول الغربية[2].

تورَّطت الدولة العثمانية إذن، واشترك الأسطول العثماني بجوار الألماني في ضرب الموانئ الروسية الواقعة على البحر الأسود، وأراد الضباط الثلاثة بذلك أن تتفكك الدولة الروسية صاحبة العداء التاريخي مع العثمانيين، وأن يستغلوا هذا التفكك في إعادة بناء الوحدة مع الممالك والإمارات التركية التي احتلها الروس منذ القرن الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين في القوقاز ووسط آسيا. يُضاف إلى ذلك دور الروس الكبير في دعم تمرد الأرمن واليونان والبلغار والصرب على العثمانيين طوال عقود، وهو ما حفَّز الضباط في إسطنبول أكثر على الانحياز للألمان. ورغم أهمية كل هذه المسوغات، فإن واقع الدولة العثمانية وعجزها المالي والحربي والعسكري دلَّ على شيء آخر، وأوجب عليهم التريُّث وإعادة بناء ما استنزفته الحروب السابقة.

إزاء هذه التطورات، وإثر تعرض الموانئ الروسية للقصف من قِبَل العثمانيين والألمان، سارعت روسيا بدورها إلى عقد تحالف مع بريطانيا وفرنسا، وبدأت الحرب العالمية الأولى تأخذ أشكالا أكثر دموية، وامتدت في قارات العالم الثلاث، والحق أن الحكومة البريطانية وهي تحارب الألمان في الجبهة الغربية من أوروبا واجهتها مشكلات غير متوقعة ولم تكن لديها فكرة عن كيفية معالجتها. فعندما بدأت الحرب لم يخطر لأحد في بريطانيا أن الجيوش المتحاربة ستحفر خنادقها عبر أوروبا الغربية، ولذا حين بدأت حرب الخنادق والأسلاك الشائكة لم يدرِ أحد كيفية اختراق العدو. ومع انتهاء عام 1914 وبداية عام 1915، ازداد استياء مجلس الوزراء البريطاني من إدارة الحرب، وبدا أن إستراتيجية اللورد “كيتشنر” وزير الحرب والرجل الستيني المخضرم بتركيز كل القوات في أوروبا الغربية لا تعطي أي أمل بالنصر في المستقبل المنظور، بل على العكس تُطيل أمد الحرب وتزيد الخسائر البشرية[3].

توقَّع فريق كبير من الساسة البريطانيين والفرنسيين عند بدء الحرب أنها ستنتهي في غضون أيام أو أسابيع، ولكن إزاء تجمد الموقف وحالة الاستنزاف الحاصلة في الغرب مع امتداد المعركة لأشهر حتى بدايات عام 1915، انقسم أعضاء الحكومة البريطانية مدنيين وعسكريين إلى عدة آراء، فمنهم فريق قاده “جورج لويد” وزير الذخائر -الذي صار رئيس وزراء بريطانيا فيما بعد- ورأى الدخول في تحالفات مع دول البلقان للهجوم على دول المحور من أضعف مناطق تابعة لهم (المنطقة الشرقية في أوروبا ومنها الدردنيل) ثم احتلال إسطنبول. وقد رفع “موريس هانكي”، سكرتير مجلس وزراء الحرب وأكثر الموظفين المدنيين نفوذا آنذاك، مذكرة بتاريخ 28 ديسمبر/كانون الأول 1914 إلى مجلس الوزراء جاء فيها: “ربما كان بالإمكان ضرب ألمانيا بصورة أشد فاعلية وبنتائج أكثر ديمومة بالنسبة للسلام العالمي، عبر حلفائها وخصوصا عبر تركيا”[4].

عارض فريق آخر هذا المقترح، وعلى رأسه وزير الحرب “كيتشنر” ووزير البحرية “تشرشل” -الذي صار رئيس وزراء بريطانيا الأشهر في الحرب العالمية الثانية- ووزير الخارجية “إدوارد غراي”، إذ رأى الثلاثة استحالة الاستيلاء على إسطنبول بواسطة الأسطول البريطاني وحده، وأنه لا بد من اشتراك قوات برية. بيد أن اشتراك قوات برية في مثل هذه المعركة المقترحة لم يحظَ بتأييد “كيتشنر” مع إيمانه بضرورته؛ بسبب تركز معظم القوات البرية في الجبهة الغربية لحماية الشواطئ البريطانية والأراضي الفرنسية من أي هجوم ألماني مُباغت[5].

في بدايات عام 1915، وتحت إلحاح وضغط من روسيا القيصرية بضرورة مهاجمة بريطانيا الدردنيل، وبسبب هجوم العثمانيين على جنوب القوقاز؛ وافق وزير الحربية “كيتشنر” على شن الهجوم مُضطرا خشية أن تنسحب روسيا من الحرب؛ إذ لو انسحبت لاستطاع الألمان أن يركزوا جميع قواتهم في الجبهة الغربية ويُلحِقوا الهزيمة بالفرنسيين والبريطانيين، ومن ثمَّ صدرت الأوامر بالسيطرة على الدردنيل واحتلال إسطنبول. وقد أصرَّ “كيتشنر” على أن يكون الهجوم بحريا فقط، لكنَّ فريقا من العسكريين والمدنيين في الحكومة رأوا استحالة نجاح مثل هذا الهجوم، فأرسل “تشرشل” يستوضح رأي قائد سفن الأسطول البريطاني المرابطة قُرب الدردنيل الأميرال “ساكفيل كاردِن”، فسأله في برقية: “هل تعتبر اقتحام الدردنيل بسفن الأسطول وحدها أمرا عمليا؟”، وأضاف أن السفن الأقدم هي التي ستُستخدم وأن أهمية هذه العملية تسوِّغ تحمُّل خسائر جسيمة.
جاء رد الأميرال “كاردِن” كالآتي: “إن الدردنيل لا يمكن الاستيلاء عليه بهجوم واحد، لكن يمكن اقتحامه بعمليات مطولة وباستخدام عدد كبير من السفن”. في نهاية المطاف قرر “كيتشنر” بعد استطلاع آراء ضباط البحرية والمخابرات المطلعين على الأوضاع، والخبراء في الجغرافيا العثمانية، أن يُرسِل الفرقة 29 البرية (آخر فرقة عسكرية برية ترابط في بريطانيا)، علاوة على قوات أسترالية ونيوزيلندية وصلت مصر آنذاك للمشاركة في الهجوم المرتقب على الدردنيل وإسطنبول[6].

استغل البريطانيون دخول العثمانيين الحرب، فأرسلوا قواتهم لاحتلال العراق وأعلنوا الحماية على مصر، وقد أدَّى هذان الحدثان إلى خلخلة كبيرة في الهيمنة العثمانية على مناطق أساسية ومهمة في الشرق الأوسط. ولذا، فور تعيينه واليا على سوريا بعد وقت قصير من بدء الحرب، حدَّد “جمال” باشا لنفسه منذ وصوله إلى دمشق مهمة تنظيم قوة بهدف إخراج القوات البريطانية من الأراضي المصرية. وقد نُفِّذ الهجوم المُخطَّط له في يناير/كانون الثاني 1915 في ذروة استعدادات البريطانيين لمعركة الدردنيل، أو كما يسميها الأتراك معركة “جناق قلعة”. واجتاز نحو 80 ألف مقاتل من الجنود العثمانيين صحراء سيناء حتى بلغوا قناة السويس، لكنهم تلقوا هزيمة قاسية[7] أجبرتهم على العودة بعد عام آخر. وقد أدَّى فشل هذه الحملات في النهاية إلى احتلال البريطانيين فلسطين، واحتلال الفرنسيين سوريا ولبنان، وخروج العثمانيين من الحجاز وغرب الجزيرة العربية.

اتفق البريطانيون والفرنسيون تحت طلب مباشر من حلفائهم الروس على التحرك والهجوم البحري بجوار فرقة برية بريطانية، بعدما أجمع صناع القرار البريطانيون على أن تكون المعركة بحرية برية على عدة مراحل. وأيَّد الفرنسيون هذه الخطة التي شُرِع في تنفيذها في فبراير/شباط 1915 عن طريق العديد من الطرادات البحرية البريطانية والفرنسية، فضلا عن الغواصات التي بلغت 5 غواصات بريطانية وغواصتين فرنسيتين، كما قَبِلَ الفرنسيون أن تكون العملية بقيادة الأميرال “كاردِن”.

على الجانب المقابل، ارتكزت الخطة العثمانية على عدة مهام، أولها زيادة عدد الألغام في المضيق، وثانيها دعم وزيادة المدفعية في البطاريات الموجودة على الشاطئ الشرقي-الآسيوي للمضيق بمناطق “كوم قلعة” و”أورهانيه” و”أرَن كوي” و”يَني كوي”، وكذلك في الناحية الأخرى من فم المضيق في “غاليبولي” الأوروبية، وثالثها زيادة عدد القوات البرية إلى أكثر من مئة ألف، إذ أدرك العثمانيون أن البريطانيين قادمون بقوات برية قوية مدعومة من الأستراليين والنيوزيلنديين. أما آخر التدابير التي اتخذها العثمانيون في حراسة مضيق الدردنيل فكانت من خلال السفن والطرادات العسكرية التي وُضعت في مواجهة العدو البريطاني والفرنسي من خلف خطوط الألغام البحرية. ونستطيع أن نتتبَّع من خلال التوثيق التاريخي الذي أشرفت عليه وزارة الدفاع التركية فيما بعد بعنوان “الحركات البحرية التركية في الحرب العالمية الأولى”، تناغم هذه العناصر الأربعة في تكبيد الإنجليز والفرنسيين خسائر فادحة في المعدات والأرواح على مدار شهرين ونيف من القتال[8].

إزاء الضغط العصبي والنفسي في أرض الميدان، توعَّكت صحة قائد الأسطول البريطاني الأميرال “كاردن”، وأرسل برقية عاجلة إلى وزير البحرية “تشرشل” في لندن تُخبره بأن الطبيب المعالج نصحه بالركون إلى الراحة مدة أربعة أسابيع. وعلى الفور أصدر “تشرشل” قراره إلى مَن يليه في الرتبة الأميرال “جون دي روبيك” لقيادة الأسطول، واتفق الجميع على أن يُنفَّذ الهجوم الأوسع على المضيق والقوات العثمانية في 18 مارس/آذار 1915 حالما تتحسن الأحوال الجوية في المضيق.
صحيح أن محاولات الأسطول البريطاني ومدفعياته الثقيلة ذات المدى البعيد أثَّرت كثيرا في بطاريات ومدفعيات العثمانيين الثابتة على جانبَيْ المضيق وألحقت بها خسائر كبيرة، وخاصة في منطقة “كوم قلعة” التي تضررت بشدة من قصف البحرية البريطانية، لكن الهجمات تواصلت من الجانبين على هذا المنوال حتى بلغت ذروتها في يوم 18 مارس/آذار 1915، حين شنَّ أسطول ضخم مؤلَّف من سفن إنجليزية وفرنسية هجومه في محاولة أخيرة لعبور المضيق، ومن ثمَّ السيطرة على إسطنبول.

قبل هذا الهجوم بليلة واحدة، لغَّم العثمانيون المناطق القريبة والموازية للساحل في المضايق، ولم تلتقط المخابرات الجوية البريطانية تحرُّكهم ذاك. ولهذا السبب، دخل أسطول كبير من البوارج الحربية البريطانية والفرنسية واصطدم بهذا الخط الطويل من الألغام، فغرقت العديد من السفن، وعند استعراض الأميرال الجديد “دي روبيك” نتائج المعركة في ذلك اليوم قال: “أظن أني انتهيتُ”[9].

إزاء هذه التطورات ظهر على سطح الأحداث الجنرال “إيان هامِلتون” قائد القوات البرية في هذه الحملة، وقد أرسل “دي روبيك” إلى “تشرشل” يستحثّه على ضرورة اشتراك القوات البرية وإتمام عملية الإنزال في غاليبولي لاحتلال مراكز البطاريات والمدفعية بغية إتمام عملية الولوج البحري للأسطول حتى تتمكن من الوصول إلى إسطنبول واحتلالها. ولكي تعيد القوات البحرية والبرية ترتيب أوضاعها، اضطر الأسطول المنهزم في معركة 18 مارس/آذار إلى الانسحاب إلى مصر لتجميع قواته، حتى تستكمل القوات البرية للحلفاء أوضاعها وتجهيزاتها بحلول أواخر إبريل/نيسان من العام نفسه[10].
في 25 إبريل/نيسان 1915، تمكنت قوات الحلفاء من تنفيذ عملية الإنزال، واستطاعت أن تتمركز في 6 مناطق جنوب شبه جزيرة غاليبولي، ولكن سرعان ما قابلتهم إرادة الجنود العثمانيين ومقاومتهم، فأجبرتهم على التراجع وأفشلت مخططات استيلائهم على غاليبولي. ونجحت القوات العثمانية أيضا في صد خُطوط الإمداد الإضافية للحلفاء، وأجبرتها على الانسحاب هي الأخرى. وقد أبلوا في ذلك بطولات خارقة، لعل أشهرها بطولة الجندي التركي الشهير الأونباشي “سيد تشابوك” الذي تمكَّن من حمل قذيفة مدفعية بلغت ربع طن بعد قصف بريطاني عنيف دمَّر البطارية التي كان متمركزا فيها هو وزملاؤه، وكان لهذه القذيفة دور كبير في إغراق أهم مدمرات الأسطول البريطاني واندحاره إلى الوراء[11].

لا تزال مقابر شهداء العثمانيين من الأتراك والعرب والأكراد وغيرهم ممن شاركوا في صفوف القوات العثمانية شاهدة على بطولاتهم الكبرى في صد قوات الحلفاء البحرية والبرية رغم إمكانياتهم المادية الضعيفة، بل ولو استمرت المعركة أكثر من ذلك ولم ينسحب الأسطول البريطاني لربما نفدت أسلحة العثمانيين واضطروا إلى إخلاء مواقعهم؛ كما قال المؤرخ “ديفيد فرومكين” في كتابه المهم “سلام ما بعده سلام”. ولقد علمت المخابرات الحربية البريطانية هذه الحقائق ومدى ضعف إمكانيات العثمانيين في حينها، وكانت السبب في تقدمهم لاحتلال المضيق ومن ثم إسقاط العاصمة إسطنبول، لكن جنود الميدان سطَّروا نصرا عظيما في تلك المعركة في الأخير، وسرعان ما مهَّدوا الطريق لحرب الاستقلال التي استرجعت تركيا على إثرها معظم الأراضي الأناضولية التي خسرتها في الحرب العالمية الأولى بعد بضع سنوات.
——————————————————————————
[1]الحرب العالمية الأولى.. الأسباب والأطراف والنتائج.
[2]أكمل الدين أوغلو: الدولة العثمانية تاريخ وحضارة 1/136.
[3]  ديفيد فرومكين: سلام ما بعده سلام ص137.
[4] مارتن جيلبرت: ونستون تشرشل، 3/230.
[5] سلام ما بعده سلام ص138.
[6]  السابق ص146.
[7] روبير مانتران: تاريخ الدولة العثمانية 2/309.
[8] Birinci dünya harbinde Türk deniz hareketi, ss 159-170.
[9]  جيلبرت: تشرشل، تحدي الحرب ص371.
[10] سلام ما بعده سلام ص176.
[11] Seyit Onbaşı kimdir, nereli?

Loading

ما مدى اعجابك ؟

انقر على نجمة لتقييمه!

متوسط ​​تقييم 0 / 5. عدد الأصوات: 0

لا أصوات حتى الآن! كن أول من يقيم هذا المنشور.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post

مؤلف «يحيى وكنوز»: وضعت الأحداث التاريخية للحضارة المصرية داخل قالب درامى مشوق

Next Post

معلومات عن الخليج العربي وأحداثه التاريخية

Related Posts