dark

رييل ستوري | ثورة 17 فبراير.. الهبة التي أسقطت القذافي بعد أشهر من القتال

0
(0)

وسط موجة الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها بعض بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ظهرت حركة احتجاجية شعبية في ليبيا، لمناهضة نظام العقيد معمر القذافي، الذي حكم البلاد طيلة 42 عاما.

انطلقت شرارة الثورة الليبية في فبراير/شباط 2011 بمظاهرات سلمية في مدينة بنغازي، ثم امتدت إلى مدن أخرى في ليبيا، مطالبة بالديمقراطية وإصلاحات سياسية، وتصاعدت الاحتجاجات ثم تحولت إلى معركة مسلحة بين القوات الموالية للقذافي والمعارضة.

مع تصاعد الصراع وتوسع نطاق المواجهات، تدخلت القوات الدولية عسكريا لدعم المعارضة الليبية وحماية المدنيين، بشن غارات جوية وفرض منطقة حظر للطيران وتقديم المساعدة العسكرية والإنسانية، مما أدى إلى سقوط نظام معمر القذافي في أكتوبر/تشرين الأول عام 2011 بعد سيطرة المعارضة على العاصمة طرابلس ومدينة سرت آخر معاقل النظام.

بداية الانتفاضة

أثار اعتقال الناشط في مجال حقوق الإنسان فتحي تربل احتجاجات في ليبيا، ورغم الإعلان عن إطلاق سراحه، واصل المتظاهرون مسيرتهم نحو ميدان الشجرة وسط بنغازي، في وقت صدر فيه بيان لِـ213 شخصية ممثلة لمجموعة من الفصائل والقوى السياسية والتنظيمات والهيئات الحقوقية الليبية يطالبون فيه بتنحي القذافي.

وأكد (البيان) على حق الشعب الليبي في التعبير عن رأيه بمظاهرات سلمية دون أي مضايقات أو تهديدات من قبل النظام.

في 15 فبراير/شباط 2011، نظمت مسيرات مناهضة للحكومة في بنغازي شرقي البلاد، وهي ثاني أكبر المدن الليبية، الواقعة شرق البلاد. وطالب المتظاهرون الغاضبون القذافي بالتنحي والإفراج عن 110 من السجناء السياسيين، وهو ما تفاعلت معه قوات الأمن الليبية بالقمع والقوة، مستخدمة خراطيم المياه والرصاص المطاطي ضد الحشود، مما أسفر عن وقوع عدد من الإصابات في صفوف المدنيين.

ودعت المعارضة يوم الخميس 17 فبراير/شباط 2011 إلى “يوم الغضب” ضد نظام القذافي، الذي حشد أنصاره في مدينة طرابلس ورد بالقوة على المتظاهرين، وأدت اشتباكات في بنغازي إلى مقتل 7 من المدنيين.

وكان للقمع واستخدام القوة أثر كبير في انضمام المزيد من الليبيين للمعارضة، والخروج في مظاهرات بمدن أخرى كالبيضاء والزنتان، وسرعان ما انتشر التمرد إلى العديد من المدن الكبرى.

مدن في قبضة الثوار

لم يمر الكثير من الوقت حتى أحكم المتظاهرون في ليبيا ما بين 23 و25 فبراير/شباط 2011، سيطرتهم على المنطقة الممتدة من الحدود المصرية إلى مدينة أجدابيا في محافظة الواحات شرقي البلاد، في وقت اتهم فيه القذافي تنظيم القاعدة بالوقوف وراء الثوار.

ومع اشتداد الاحتجاجات، وسيطرة المتظاهرين على العديد من المدن، وامتداد الاضطرابات إلى طرابلس، واصلت القوات الموالية للقذافي استخدام القوة ضد المتظاهرين، وأطلقت قوات الأمن وفرق المرتزقة (أجانب من جنسيات مختلفة استعان بهم القذافي للتصدي للشعب الليبي) الرصاص الحي على حشود المحتجين، فشملت المواجهات باقي أنحاء البلاد وقتل فيها ألف شخص، حسب ما أكده حينها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون.

وفي ظل هذا الصراع الدموي، ألقى سيف الإسلام القذافي -نجل الزعيم الليبي معمر القذافي- خطابا “متحديا” على شاشة التلفزيون الرسمي، أنحى من خلاله باللائمة على من سماهم “المحرضين الخارجيين”، وقال “إن المزيد من المظاهرات قد يؤدي إلى حرب أهلية في البلاد”.

إدانة دولية

تسبب التصعيد المفاجئ للعنف من قبل الحكومة الليبية ضد المتظاهرين وغيرهم من المدنيين في إدانة دولية، فرض بموجبها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يوم 26 فبراير/شباط 2011 حظرا على بيع الأسلحة والمواد ذات الصلة إلى ليبيا.

كما حظر المجلس السفر إلى أراضي الدول الأعضاء على كبار الشخصيات في النظام الليبي، بمن فيها القذافي، حيث نص القرار على أن “الهجمات الممنهجة” التي يتم تنفيذها ضد السكان المدنيين في ليبيا “يمكن تصنيفها على أنها جرائم ضد الإنسانية”.

ومن جانبه، فرض الاتحاد الأوروبي في 28 فبراير/شباط، من العام نفسه، حظرا على مبيعات الأسلحة، وعلى سفر القذافي وأعضاء حكومته إلى أراضي الاتحاد، فضلا عن تجميد أصولهم.

دفع هذا الوضع عددا من المسؤولين الليبيين رفيعي المستوى وكبار الدبلوماسيين إلى الانشقاق عن النظام احتجاجا على أساليب القمع والتعنيف التي اتخذتها الدولة في حق المتظاهرين.

ومن هؤلاء وزير العدل مصطفى عبد الجليل، ووزير الخارجية موسى كوسا، ووزير الدولة لشؤون الهجرة والمغتربين علي الريشي ومندوبي ليبيا في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، والسفراء بكل من بريطانيا والصين والهند وإندونيسيا وبنغلاديش وبولندا.

وإضافة إلى ذلك، أعلن المجلس الوطني الانتقالي الذي شكله ممثلو الثورة في 27 فبراير/شباط 2011، نفسه “الممثل الوحيد لليبيا”، عقب اجتماعه الأول في بنغازي.

وأمام هذه الاستقالات، تراجع دعم القذافي في بعض قطاعات الجيش، حيث أشارت بعض التقارير إلى حدوث انشقاقات داخل الجيش الليبي ورفض بعض الجنود التصدي للمتظاهرين، وفقد القذافي جزءا من القوة العسكرية والقيادية التابعة له بعد انضمام عدد كبير من الجنود والضباط إلى صفوف الثورة، مما أضعف قدرة النظام على السيطرة على الوضع.

مطلب التنحي

دعا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 17 مارس/آذار 2011 إلى إنشاء منطقة حظر جوي في الأجواء الليبية، وأذِن باتخاذ “كل الإجراءات اللازمة” -وهو ما يعني باللغة الدبلوماسية العمليات العسكرية- لضمان حماية السكان المدنيين ضد كتائب القذافي.

وشنت كل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في 19 مارس/آذار 2011 غارات جوية على قوات النظام لوقف قمع الثورة، مما أجبر القوات الموالية للقذافي التي كانت على أبواب بنغازي، على التوقف جراء تلقيها للعديد من الضربات.

وظهر القذافي عقب ذلك على التلفزيون الليبي قائلا “إن ميثاق الأمم المتحدة ينص على حق ليبيا في الدفاع عن نفسها، وإنه سيتم فتح مستودعات الأسلحة لتسليح الشعب الليبي”، كما دعا في رسالة إلى الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما إلى وضع حد للحملة العسكرية ضد ليبيا، متهما الثوار بأنهم أعضاء في تنظيم القاعدة.

في 10 و11 أبريل/نيسان 2011، قبل القذافي خطة للخروج من الأزمة قدمها وسطاء الاتحاد الأفريقي، بقيادة رئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما، حيث دعا وفد الاتحاد الأفريقي حلف شمال الأطلسي (ناتو) إلى إنهاء عمليات القصف، لكن الثوار الليبيين ظلوا رافضين لخطة السلام هذه، وقالوا إنها لا تنص على تنحي القذافي وأسرته، وتشبثوا بمطلبهم الأساسي القاضي بترك معمر القذافي السلطة.

وزاد التوجيه الدولي لدعم المعارضة وعزل النظام الليبي من أثر الضغط على القذافي ومن انعكاسات الانتفاضة الشعبية ضده، فطالب الزعيم الليبي في 29 أبريل/ نيسان 2011 حلف الناتو بإنهاء هجماته، متهما إياه بقتل المدنيين الليبيين وتدمير البنية التحتية للبلاد، لكنه فقد في اليوم الموالي أصغر أبنائه الستة، سيف العرب معمر القذافي (29 سنة)، في غارة جوية شنها الحلف يوم 30 أبريل/نيسان 2011 على منزل في طرابلس.

مذكرة اعتقال القذافي ونجله

مدد حلف الناتو مهمته 90 يوما حتى نهاية سبتمبر/أيلول 2011، ونفذ أقسى غاراته على طرابلس يوم الثلاثاء 7 يونيو/حزيران، كما قررت مجموعة الاتصال بشأن ليبيا، التي انعقدت في أبو ظبي يوم 9 يونيو/حزيران، تقديم الدعم السياسي والمالي للثورة الليبية من خلال إنشاء آلية تسمح لها بتلقي الأموال.

وفي سياق ذلك قالت وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك هيلاري كلينتون إن أيام نظام القذافي “معدودة” وإنه يجب الاستعداد لـ”ليبيا ما بعد القذافي”، في وقت أصدرت فيه المحكمة الجنائية الدولية يوم الاثنين 27 يونيو/حزيران مذكرة اعتقال ضد معمر القذافي ونجله سيف الإسلام ورئيس المخابرات الليبية عبد الله السنوسي بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

واصل القذافي تحديه للمجتمع الدولي في خطاب تلفزيوني يوم 14 يوليو/تموز 2011، دعا من خلاله أنصاره إلى الزحف نحو بنغازي من أجل “تحريرها” من المتمردين، مؤكدا مرة أخرى أنه لن يغادر بلاده أبدا.

وأمام هذا الوضع أعلنت مجموعة الاتصال المنعقدة في إسطنبول بتركيا في 15 يوليو/تموز 2011، عن اعترافها بالمجلس الوطني الانتقالي باعتباره “السلطة الحكومية الشرعية” في ليبيا، مما مهد الطريق لإلغاء تجميد الأصول المملوكة للدولة الليبية.

وشكل مقتل قائد قوات الثوار اللواء عبد الفتاح يونس، وزير الداخلية السابق في نظام القذافي الذي التحق بالثوار في 22 فبراير/شباط، وقُتل بالرصاص في ظروف غامضة قرب بنغازي رفقة اثنين من مرافقيه يوم 28 يوليو/تموز، ضربة قاسية للثوار، مما أدى إلى شن هجوم جديد في غرب البلاد.

السيطرة على طرابلس

اتهمت حكومة القذافي في التاسع من أغسطس/آب 2011 حلف الناتو بقتل 85 شخصا، بينهم العديد من المدنيين، في غارة نفذت مساء على قرية ماجر، قرب مدينة زليتن، على بعد 150 كيلومترا شرق طرابلس.

وفي 14 أغسطس/آب 2011 سيطر الثوار الليبيون على مدينة الزاوية الواقعة غرب طرابلس على الطريق إلى تونس، ليقطعوا بذلك آخر طرق النظام الليبي مع الخارج.

وفي خضم ذلك دعا القذافي الليبيين مرة أخرى، من خلال خطاب جديد له بُث على التلفزيون الليبي في 15 أغسطس/آب، إلى مقاومة زحف الثوار، وتوعد حلف الناتو بالهزيمة.

وبعد يوم فقط حاصر الثوار العاصمة طرابلس من خلال السيطرة على أبرز الطرق الرئيسية المؤدية إليها، وتمكنوا من الدخول إلى بعض أحيائها التي شهدت انتفاضة شعبية على غرار فشلوم وتاجوراء في 20 أغسطس/آب 2011.

وبعد دخول الثوار للعاصمة طرابلس والسيطرة على معظم أحيائها، ألقى القذافي في 21 أغسطس/آب 3 خطب في أقل من 24 ساعة، دعا من خلالها الليبيين للمقاومة، في حين أكد رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل اعتقال سيف الإسلام القذافي.

مقتل القذافي

عقب ساعات من القتال العنيف، أعلن الثوار في 23 أغسطس/آب 2011 أن المعركة قد حسمت، بعد الاستيلاء على باب العزيزية مقر القذافي في طرابلس، وأصدر المجلس الوطني الانتقالي تقييما أوليا للقتال، أشار فيه إلى سقوط أكثر من 400 قتيل و2000 جريح في ظرف 3 أيام من القتال في طرابلس، وأسر ما يقرب من 600 من الموالين للقذافي، كما قدر أحد القادة العسكريين الميدانيين للثورة الليبية ضحايا المواجهات منذ بدء الانتفاضة الليبية ضد نظام القذافي في حدود 50 ألفا، حسب تقديره.

وفي وقت أكدت فيه مصادر إعلامية مقتل خميس القذافي في معارك جنوب شرق طرابلس في 29 أغسطس/آب، أشارت بعض التقارير الإعلامية الأخرى إلى دخول زوجة معمر القذافي وابنته عائشة واثنين من أبنائه، والساعدي القذافي إلى النيجر هربا من الحرب الدائرة في ليبيا.

وفي 21 سبتمبر/أيلول، أعلنت الحكومة المؤقتة التي شكلها الثوار عن استيلائها على مدينة سبها، أحد المعاقل الثلاثة الأخيرة للقوات الموالية للقذافي، في وقت كانت لا تزال فيه مدينة سرت، مسقط رأس العقيد، وبني وليد تقاومان أمام الثوار.

وفي 17 أكتوبر/تشرين الأول 2011، احتفل الثوار بالسيطرة على بني وليد، المعقل قبل الأخير للقذافي، ووضع حد لمقاومة قواته بالسيطرة على مدينة سرت يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول 2011، بعد شهرين من الحصار، حيث ألقى الثوار القبض على القذافي بعد غارات جوية شنتها قوات الناتو على قافلته أثناء محاولته الخروج من مدينة سرت وقتل في اليوم نفسه.

Loading

ما مدى اعجابك ؟

انقر على نجمة لتقييمه!

متوسط ​​تقييم 0 / 5. عدد الأصوات: 0

لا أصوات حتى الآن! كن أول من يقيم هذا المنشور.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post

رييل ستوري | تاريخ الإسلام في الهند.. من الدولة الأموية إلى الإمبراطورية المغولية

Next Post

رييل ستوري | مخاوف من مخاطر تهدد حياة مروان البرغوثي

Related Posts