زرياب
نرمين سعد الدين
أثارت الإعلامية أمينة شلباية مؤخرا الجدل في السوشيال ميديا، بجميع أنواعها، بعد ظهورها مرة أخرى، وهي تقدم محتوى تتحدث فيه عن فن الأتيكيت في الطعام، وكيفية تناوله مع العديد من تعبيرات النهي والجزم في طريقة التناول بشكل حاسم، متجاهلة أن فن الذوق يختلف من مكان لآخر ومن بيئة لأخرى، ومن مناسبة لغيرها، وهو ما جعلها في ليلة وضحاها ترند، ظهرت المقالات والفيديوهات والتعليقات ما بين مؤيد لها، مدافعا عن محتواها ورغبتها في تعليم الناس الأتيكيت، الذي لطالما سمعنا عنه، وتحدث عنه الكثيرون من قبل، وتم سقوطه سهوا بين العامة مع ضغوط الحياة، واختلاط المستويات الاجتماعية بعضها ببعض، وهاجمها البعض الآخر، بسبب الشطط في وضع القواعد والنهي الحاسم لبعض الطرق، وأنها تقدم للعامة الرويال اتيكيت القادم لنا من البلاط الإنجليزي، وكتب البعض مقالات ومحتوى عن أصل كلمة اتيكيت، ومعظمهم عزوها إلى أنه وارد أوروبا خاصة من الإنجليز في القرن العشرين، ولكن الحقيقة أن فن الاتيكيت أبعد ما يكون عن هذا بعد زمني وبعد مكاني، فزرياب الفنان العربي المسلم يعتبر هو مبتكر فن الذوق العام والذى يسمى بــ(الاتيكيت)، بل أنه أول من أنشأ أكاديمية لتعليم فن الإتيكيت،
فساهم زرياب في نشر علم أناقة الملبس وتنويعه بين فترات الصباح والمساء، وبين الفصول الأربعة، وتقلبات الجو المختلفة، وهو أول من لفت أنظار النساء إلي أن مناديل المرأة يجب أن تكون مختلفة اللون والحجم وأن تكون معطرة أيضًا، كما أنّه ساهم في نشر علم العناية بالبشرة، وفن التجميل ونظافة الجسد البدن، حيث يعتبر أول من استخدم مساحيق ومركبات إزالة العرق، ووضع طرق تسريح الشعر وتصفيفه وتنظيف الأسنان بمادة تشبه المعجون.

ووضع تقاليد وآداب لسلوك الناس في الطعام حيث كان يأكل على مهل ويجيد المضغ للطعام ويتحدث ويشرب بأناقة، كان يضع على مائدته الكثير من المناديل، هذا لليدين وهذا للشفتين وهذا للجبهة وهذا للعنق، كذلك أدخل وجبات الطعام ثلاثية الأدوار والمقبلات وهي أن تبدأ بالحساء ثم الطبق الرئيسي ثم تختم بالفواكه والمكسرات وكان له ذوق خاص في تنسيق الموائد وتنظيمها، واستبدل أكوابهم الفضة والذهب بأكواب من الزجاج الرقيق، وصنع الأصص للأزهار من الذهب والفضة.

وزرياب لم يكن الاسم الأصلي له بل أنه لقبوه هكذا تيمنا بطائر الزرياب لانه كان أسمر البشرة حسن الصوت أما الاسم الأصلي لزرياب هو أبو الحسن علي بن نافع من مواليد الموصل ونشأ وتربى في بغداد، تعلم الغناء والعزف على يد إسحق الموصلي وهو الذي أدخله بدوره بلاط هارون الرشيد بنفسه ليعجب به الرشيد ويقربه لمجالس الطرب لديه، ولكنه لأسباب غير معروفه ترك بغداد وذهب للأندلس أرجعها بعض المؤرخين إلى أن معلمه غار منه وأحاك له المكائد.

بعدما انتقل زرياب لقرطبة وراسل حكام الأمويين بالأندلس تغيرت حياته تماما إذ قربوه لبلاطهم وأغدقوا عليه الأموال والنعم وهو بدوره نقل اجمل ما في بغداد إلى الأندلسي من موسيقى وأقمشة واكلات عربية وقد كان سببا في اختراع (الموشح) وقد كان يشتهر بالولائم حتى ان هنالك حلوى تسمى بأسمه الآن وهي (الزلابية) بمصطلحنا العامي كتحريف عن الأصل (زريابية) والتي سميت تيمنا به.

وأخترع العديد من الاختراعات التي ساهمت في تميز الحضارة الأندلسية حينها فزرياب بجانب كونه عازف وشاعر درس في بغداد الأدب والفلك والتاريخ وأخبار الملوك والأمراء، فأدخل زرياب التحسينات على آلة العود، فجعلها أخفّ وزنًا، كذلك استخدم في صناعة أوتاره مواد جديدة كالحرير وأمعاء الأسد، وأضاف عليه الوتر الخامس، بالإضافة إلى ذلك نقل كل ما عرفه من آلات موسيقية من الشرق إلى الأندلس، وأسس أول مدرسة للغناء والموسيقى، لتعليم أسس علوم الموسيقى وفنون الغناء وقواعد اللحن، ويعتبر زرياب أول من وضع علم الصول فيج وتربية الصوت والسمع والقرآْءة الموسيقية، كتب النوتات الموسيقية، وأدخل على الموسيقى مقامات كثيرة لم تكن معروفة من قبل، جعل مضراب العود من قوادم النسر بدلا من الخشب، ابتدع غناء (الموشح).