dark

غموض جميلات مصر القديمة.. وثالوث الحب والدراما والسلطة

0
(0)

جدول المحتويات :

منذ فجر التاريخ وللمرأة المصرية دور فاعل مجتمعيا وسياسيا ووطنيا وقد تجلى ذلك فى العصر الحديث قبل وبعد ثورة 1919 مع بدايات القرن العشرين حين نزلت إلى الشوارع فى مواجهة الاستعمار البريطانى إبان ثورة 1919، وأعقب ذلك ظهور الحركات النسوية المدافعة عن المرأة والمطالبة بمساواة حقوقها مع الرجال فى التعليم والعمل والمشاركة السياسية.

بيد أن مكانة المرأة ودورها المؤثر يمتدان لأمد أبعد من ذلك بكثير جداً.. فقد تمتعت المرأة فى مصر القديمة بميزات عديدة لم تتح لنظيراتها فى المجتمعات الأخرى المعاصرة لها. فتشير المصادر التى تعود إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد، أى منذ عصر الدولة القديمة فصاعداً، إلى أن الحقوق القانونية للمرأة تساوت إلى حد كبير مع الرجل.

فكان من حق المرأة المصرية أن تبيع وتشترى الممتلكات والضيع دون الحاجة لوساطة الرجل، وكانت العقود باسمها. كما كان من حق المرأة رفع دعاوى قضائية بنفسها، وأن تشهد فى القضايا أثناء المحاكمات.

كما يؤكد الدكتور مصطفى الفقى فى تصديره لأحدث إصدارات مكتبة الإسكندرية.. كتاب «جميلات الفراعنة.. سرّ وسحر ملكات القلوب» تأليف الدكتور حسين عبد البصير، عالم الآثار المصرية ومدير الآثار بمكتبة الإسكندرية.. إنه على الرغم من أن المجتمع المصرى آنذاك كان مجتمعاً ذكورياً إلى حد كبير، فقد وصل بعض النساء – وخصوصاً اللائى كن ينتمين إلى طبقة اجتماعية راقية- إلى مناصب رفيعة، فمنهن من تولى رئاسة الأعمال التجارية، وأخريات صرن كاهنات فى خدمة إله أو إلهة، كما مارس بعضهن مهناً دقيقة متخصصة كالطب مثل الطبيبة بسشث من الأسرة الخامسة، والتى أخدت لقب «المشرفة على الطبيبات».

بل ولدينا أيضا حياة فريدة للسيدة «نبت» التى أغدق عليها الملك بيبى الأول لقب «وزير» وكان أعلى منصب فى الدولة بعد الملك نفسه. وليس لدينا علم بواقعة أخرى مماثلة قبل العصر البطلمى، حيث حملت كل من الملكة برنيكى الثانية، زوجة بطليموس الثالث، والملكة كليوباترا الأولى قرينة بطليموس الخامس هذا اللقب الرفيع.

يتتبع هذا الكتاب «سر وسحر ملكات القلوب فى مصر على مر التاريخ من بداية عهد الأسرات فى حوالى 3200 ق.م. وإلى أواخر الفترة البطلمية التى انتهت بانتحار الملكة الفذة كليوباترا السابعة فى حوالى 31 ق.م.

بأسلوب مبسط وشيق يتناول حسين عبد البصير عرضاً لأهم ملكات هاتين الفترتين التاريخيتين موضحاً فى عالم الملكات الجميلات الفرعونيات، ملكات القلوب، قلوب أزواجهن ملوك مصر العظام. إن عالم ملكات الفراعنة عالم مثير يمتزج فيه الحب بالدراما بالسلطة، ومن خلال مجموعة منتقاة من ملكات مصر العظيمات، منذ عهد صاحبة الجلالة الملكة نيت حتب إلى عهد الساحرة الجميلة والفاتنة الذكية الشهيرة الملكة كليوباترا السابعة نستطيع أن نكشف أسرار وسحر وجمال وغموض وتاريخ مصر القديمة وملكات الفرعونيات الجميلات.

غلاف كتاب «جميلات الفراعنة.. سرّ وسحر ملكات القلوب»

لقد كانت المرأة المصرية القديمة هى سيدة مجتمعها. ووصلت لأعلى درجات التقدير فيه. وحملت من الألقاب ما يدل على ذلك مثل لقب «نِبت بر» أى «سيدة البيت»، مما يدل على عظم المكانة والتقدير الذى حظيت به فى بيت زوجها. فكانت تقوم بأعمال بيتها وتساعد زوجها فى عمله، وكان البعض منهن يجدن القراءة والكتابة والحساب.

ولعل سبق مصر القديمة فى احترام وتقدير وتمكين المرأة يظهر لنا بوضوح من خلال تولى المرأة فى مصر القديمة حكم البلاد. فمنذ عصر مبكر، حكمت المرأة المصرية القديمة البلاد ببراعة وتمكن واقتدار وبانفراد، مما يدل على عظمة الشخصية المصرية ومدى تحررها وانفتاحها والسماح للملكات بأن يعتلين عرش مصر مثل الرجال. كما كان يتم تكليف الملكة الأم بحكم البلاد نيابة عن ابنها، الملك الطفل.

وتعد تلك الواقعة التاريخية من أوائل الحوادث فى ذلك السياق. وكان دور النساء مهمًا فى الحفاظ على عرش البلاد لأبنائهن حتى يبلغوا سن الرشد. وقد تردد العالم الحديث فى اتباع نظام وصاية النساء على العروش.

وتم اتباعه فى مصر القديمة، نظرًا لأن الأم هى الشخص الأكثر ولاءً ووفاءً وإخلاصًا لابنها الملك الطفل، فضلاً عن كونها تنتمى بالدم للعائلة المالكة، وأيضًا كانت متدربة على تحمل مسؤوليتها التاريخية والدفاع عن ابنها الطفل حتى يشب عن الطوق. وكانت الأمهات، فى أغلب الأحوال، اللائى يقمن بهذا الدور المجيد حين يرحل الزوج فجأة. وهذه السنة الحسنة سوف يسير عليها العالم بعد ذلك وتصبح من أدبيات وآليات انتقال الحكم فى دنيا الحكم والسياسة.

كما يوضح الدكتور حسين عبدالبصير أن علاقة المرأة قوية وقائمة على الحب مع زوجها وكانت محل تقدير أبنائها. وصُورت المرأة واقفة إلى جوار زوجها فى حجم مقارب لحجمه. وتطوق جسده بذارعها، وتضع يدها اليمنى أسفل صدره، وتلامس بيدها اليسرى ذراعه اليسرى فى حنان وحب واضحين. ويحمل ذلك التصوير الفنى مغزى حضاريًا معاصرًا يعبر عن قمة الحب والتراحم والحنان والتواصل بين الرجل والمرأة فى المجتمع المصرى القديم. ويمثل الزوج فى صورة إنسانية كزوج محب لزوجته وشريكة كفاحه.

شاركت المرأة المصرية فى الدفاع عن الوطن مما يوضح عظمة الدور الذى من الممكن أن تقوم به النساء فى تحرير الأوطان وشحذ همم الرجال من الأبطال كى يعيدوا لمصر كرامتها وعزها. وكان للملكة المناضلة «تِتي- شِيرى» دور كبير فى تحرير مصر من احتلال الهكسوس على يد حفيدها الملك أحمس الأول الذى حرَّر مصر من احتلال الهكسوس وطاردهم إلى خارج الحدود المصرية إلى جنوب فلسطين. وفى ذلك ما يوضح عظم دور ملكات مصر العظيمات فى الدفاع عن أرض مصر الخالدة، وتنشئة الملوك الأبطال الجديرين بحكم مصر.

وساهمت أمه الملكة العظيمة إياح حتب الأولى فى تسيير الفرق العسكرية، ولعبت دورًا كبيرًا فى الدفاع عن العاصمة طيبة، وحمت مصر واعتنت بها وبالجنود، وقامت بأداء الشعائر، وجمعت الهاربين وأعادت الفارين، وأنزلت السلام والسكينة على مصر العليا، وطردت المتمردين. وعُثر ضمن آثارها على عدد كبير من الآثار العسكرية مثل فأس يدوية وخنجر وأنواط عسكرية على شكل قلادات الذبابات الذهبية مما يؤكد على عظم دورها العسكرى الفريد.

ومن خلال صفحات الكتاب نجد الملكة العظيمة أحمس- نفرتارى حملت اللقب الدينى الكاهنة الثانية للإله آمون. ومن خلال ذلك اللقب منحها زوجها أحمس الأول العظيم وأبناؤها العديد من الأوقاف للأبد، وكذلك منحها اللقب الدينى الجديد «الزوجة الإلهية للإله آمون» وجلب لها الكثير من الثروات. وهو من الألقاب الجديدة التى ارتبطت فيها نساء البيت المالك بعبادة الإله.

ويعد لقب الزوجة الإلهية للإله آمون لقبًا كهنوتيًا ليس إلا، ولم تكن حاملة ذلك اللقب زوجة فعلية للإله. ومن خلال تلك الثروات الطائلة التى خُصصت لتلك الملكة المعشوقة من زوجها الملك، صار ممكنًا لهذه الملكة القيام بالعديد من الطقوس وتقديم القرابين، وصار اسمها منقوشًا فى عدد كبير من المعابد.

كما نتعرف من خلال الكتاب على قصة.. نظرًا لأن تحتمس الثالث كان طفلاً، وكانت أمه إيزيس غير مؤهلة للوصاية عليه، لأنها ليست من الدم الملكى، قامت المرأة الطموح والقوية والجميلة الملكة حتشبسوت بالوصاية على ابن زوجها لفترة ما، ثم داعبها طموحها وبريق السلطة وروعة العرش وإغراء الحكم، فتصرفت كأنها ملك ذكر، وتم ذكرها فى النصوص وتصويرها فى المناظر فى هيئة الملوك من الرجال.

وكانت الملكة حتشبسوت عظيمة العظيمات، وجميلة الجميلات، وأفضل النساء، والمرأة القوية التى هزت الدنيا وغيرت الرياح فى اتجاهها، وجعلت الجميع يحنون إجلالاً وتعظيمًا لتلك المرأة التى خبلت الجميع بجمالها، وسحرها، وقوة شخصيتها وثراء الأحداث فى فترة حكمها اللافت فى تاريخ مصر القديمة قاطبة. ولم يكن هناك مثيل لقدرتها الكبيرة على إدارة حكم البلاد.

وتعد المرأة الذكية وصاحبة الشخصية القوية الملكة «تى» هى الزوجة العظمى لفرعون الشمس الملك أمنحتب الثالث. ولعبت الملكة تى دورًا كبيرًا فى حياة وحكم زوجها وأنجبت له وريثه وولى عهده الملك أمنحتب الرابع أو الملك أخناتون بعد ذلك. وفى العقيدة الدينية والملكية لفترة حكم زوجها، اعتبرت الملكة تى إلهة السماء الأم.

وتشير الآثار من عهد زوجها الملك أمنحتب الثالث إلى أهمية زوجته تى طوال فترة حكم زوجها، فعثرنا على عدد كبير من التماثيل فى أحجام ومواد مختلفة تصورها مع زوجها، بينما تظهرها النقوش تساعده فى كثير من طقوس العبادة، وتشاركه كذلك فى الاحتفالات خصوصًا الاحتفال الخاص بعيد جلوسه على عرش مصر. ووصف أحد النصوص الملكة تى بأنها ترافق الملك أمنحتب الثالث مثل الإلهة ماعت حين ترافق إله الشمس رع.

وأقام الملك بحيرة للراحة والاستجمام فى بركة هابو فى غرب مدينة الأقصر حبًا لزوجته الغالية قوية الشخصية وصاحبة الحضور الطاغى الملكة الذكية تى. وفى رسائل العمارنة، نرى حكام الشرق الأدنى القديم العظام يتوددون للملكة ويطلبون توسطها لدى أمنحتب الثالث وولدها أخناتون، نظرًا لأهمية دورها وعظم قدرها فى البلاط عند زوجها وابنها.

ونتوقف أمام المرأة الجميلة الملكة نفرتيتى التى فاقت قوتها قوة الرجال، وشاركت فى أمور الحكم، وكانت ذات دور كبير فى تحريك السياسة وتوجيه دفة الحكم فى عهد زوجها فرعون التوحيد الملك الفيلسوف أخناتون. وربما حكمت نفرتيتى بعد وفاة زوجها الملك أخناتون البلاد وجلست على عرش الفراعنة وقبل أن يصل كرسى الحكم بعد ذلك بفترة إلى الفرعون الذهبى الملك توت عنخ آمون.

كانت جميلة الجميلات نفرتارى ملكة قوية ومؤثرة بقوة فى عهد زوجها نجم الأرض الملك رمسيس الثانى ملك الملوك. ولعبت دورًا كبيرًا فى الشؤون الدبلوماسية فى الدولة المصرية العريقة، نظرًا لما كانت تتمتع به من مهارات عديدة مثل فنون الكتابة والقراءة وأصول وفنون علم المراسلات الدبلوماسية، فأفادت مصر بمهاراتها الكبيرة وزوجها، مما يدل على تعليم النساء فى مصر القديمة، فضلًا عن حبها لزوجها الملك مما جعل من قصة حب رمسيس الثانى ونفرتارى أعظم قصص الحب وأخلد حكايات العشاق التى خلدها الإنسان فى الحجر والفن قبل أن يخلدها البشر فى فنون الأدب والقول.

كان من فرط وعظم حب وإعزاز وتقدير رمسيس الثانى لزوجته المحبوبة نفرتارى هو تصويرها معه فى معظم آثاره، وبناء الآثار الكبيرة والجميلة لها مثل معبدها إلى جوار معبده الشهير فى «أبوسمبل». وتم السماح لبعض الملكات بتشييد مقابر ملكية بين مقابر الملوك الخالدين من حكام مصر تكريمًا وتقديرًا لهن. وأمر رمسيس الثانى بإنشاء مقبرة رائعة لها فى وادى الملكات هى الأجمل بين مقابر الوادى الجميل.

يوثق كتاب «جميلات الفراعنة.. سرّ وسحر ملكات القلوب» كيف كانت المرأة فى مصر القديمة هى سيدة المجتمع المصرى القديم بكل ما تحمل الكلمة من معنى. وحصلت على ما حصلت عليه المرأة فى العالم المعاصر من زمن بعيد. ولقد ملكت النساء فى مصر القديمة قلوب أزواجهن. إن عالم المرأة فى مصر القديمة عالم مثير يمتزج فيه الحب بالتقدير والمحبة والاحترام والتعاون.

من خلال دراسة أحوال المرأة فى مصر القديمة، نستطيع أن نعرف عظم قدر المرأة فى مصر القديمة، صاحب أعظم حضارة فى العالم القديم، وكذلك نسعد بنسيم وعطر مصر القديمة الجميل العبير، ونكشف أسرار وسحر وجمال وغموض وتاريخ مصر القديمة والمصريات الجميلات. كتبت المرأة المصرية القديمة صفحات خالدة من تاريخ مصر العظيمة توضح سبق مصر فى كل المجالات، وكذلك تحضر مصر وضربها المثل والقدوة للعالم كله قديمًا وحديثًا.

لاتزال مصر القديمة تبهرنا بآثارها وتاريخها واكتشافاتها الأثرية المثيرة التى لاتزال تسلبنا وعينا منذ أقدم العصور إلى أن يرث الله الأرض وما ومن عليها. هذه هى مصر الرائعة والفريدة. وهذه هى المرأة المصرية العظيمة التى لولاها ما كانت مصر ولا كانت مصر وحضارتها الخالدة على وجه الزمن.

وكما يقول المؤلف الدكتور حسين عبدالبصير: «إن هذه هى مصر التى أصفها دومًا وأبدًا بأنها أول كلمة فى كتاب التاريخ وأهم موقع فى كتاب الجغرافيا، وأردد دائمًا أن مصر دولة عظمى ثقافيًا قديمًا وحديثًا، وأقول دومًا إن مصر هى التى علمت العالم أصول كل شىء».

Loading

ما مدى اعجابك ؟

انقر على نجمة لتقييمه!

متوسط ​​تقييم 0 / 5. عدد الأصوات: 0

لا أصوات حتى الآن! كن أول من يقيم هذا المنشور.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post

حدث فى مثل هذا اليوم 17رمضان.. غزوة بدر الكبرى واستشهاد الإمام على بن أبى طالب

Next Post

فى مثل هذا اليوم.. نيل أرمسترونج يمشى على سطح القمر

Related Posts