dark

رييل ستوري | موموفوكو آندو.. العبقري الذي غير العالم بـ “الإندومي”

0
(0)

من رحم المعاناة تولد الإبداعات، هكذا يُمكننا تلخيص قصة موموفوكو آندو، ذلك الرجل الذي أحدث ثورة في عالم الطعام؛ فمن طفل يتيم نشأ في أحضان أجداده، إلى رائد أعمال واجه الشدائد، نخوض رحلة مُلهمة تُعيد تعريف معنى النجاح والإبداع.

طفولة صعبة وروح مثابرة

لم تكن طفولة المخترع التايواني الياباني “موموفوكو آندو” سهلة على الإطلاق؛ حيث عاش يتيمًا يُواجه بطش الحياة لينال منها، أو تمارس عليه الحياة عنفوانها، لكنه لم يستسلم، بل اتخذ من تلك الظروف الصعبة دافعًا قويًا للنهوض والارتقاء؛ فبدأ حياته المهنية باحثًا عن حلول لتحديات يومية، ليُصبح لاحقًا رائد أعمال ناجحًا.

نشأة ملهمة

وُلد موموفوكو آندو يوم 5 مارس عام 1910م، في كنف عائلة تايوانية ثرية؛ حيث نشأ في مقاطعة شياي إبان الإمبراطورية اليابانية التايوانية، وواجه فقدان والديه في سن مبكرة؛ فعاش تحت رعاية أجداده داخل أسوار مدينة تاينان-تشي.

كان أجداده يملكون متجرًا صغيرًا للنسيج، وترك ذلك أثرًا عميقًا في نفس موموفوكو؛ لذا في مطلع العقد الثالث من العمر، وبحماس الشباب وطموحه، قرر موموفوكو تأسيس شركة منسوجات خاصة به لبيع الأقمشة الصوفية في تايوان، وبفضل ذكائه وإصراره تمكن من جمع 190 ألف ين، وبدأ رحلته كرائد أعمال في مدينة تايبيه.

وفي مطلع الربع الثاني من عام 1933م ودّع موموفوكو تايوان وشدّ الرحال إلى أوساكا، حاملًا معه طموحات عريضة ورغبة في نهل المعرفة، هناك التحق بجامعة ريتسوميكان في كيوتو؛ حيث درس علم الاقتصاد.

نقطة تحول تاريخية

لم تكن الحرب العالمية الثانية مجرد صراع عسكري فحسب بل كانت زلزالًا هز أركان العالم بأسره؛ ففي خضم تلك الأحداث الجسام واجهت اليابان دمارًا هائلًا، وتحولت مدنها إلى ركام من الأنقاض، ولم يكن مصير موموفوكو آندو ببعيد عن ذلك؛ حيث احترقت مصانعه في أوساكا، وأصبح أمام خيار صعب: الاستسلام للظروف القاسية، أو التمسك بالأمل وإعادة بناء حياته.

كان آندو يمتلك روحًا وطنية عريقة لكنه كان أيضًا يرغب في الحفاظ على ممتلكاته في تايوان؛ فكان عليه الاختيار بين الجنسية اليابانية والصينية، واختار في النهاية الأخيرة، ومع ذلك لم تدفع الظروف القاسية آندو إلى الاستسلام بل على العكس، وجد الإلهام بين الأنقاض، وبينما كان يمشي بين المباني المدمرة لاحظ حشدًا من الناس يصطفون بصبر أمام كشك “رامن” مؤقت، وهنا أدرك أهمية هذا الطعام بالنسبة لليابانيين، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي واجهوها بعد الحرب.

كان الجوع يهدد العالم وشعر “آندو” بمسؤوليته عن حل هذه المشكلة؛ فخطر على ذهنه فكرة عظيمة وهي ابتكار طعام سريع التحضير وغني بالعناصر الغذائية، يساهم في إطعام الشعب الياباني وتخفيف وطأة الجوع.

من حلم مؤجل إلى ثورة غذائية

اضطر موموفوكو آندو إلى تأجيل حلم إنهاء الجوع في العالم مؤقتًا عندما لاحت في الأفق فرصة لشغل منصب مدير عام لاتحاد ائتماني، وواصل حياته اليومية حتى مطلع الربع الثالث من عام 1957م، وعندما انهار الاتحاد غرق في دوامة من اليأس بعد أن خسر وظيفته وجميع ممتلكاته في سن السابعة والأربعين.

ومع غياب العمل بشكلٍ كامل ووفرة الوقت وجد آندو نفسه أمام فرصة حقيقية للتأمل في كيفية إنهاء الجوع بالعالم؛ فكانت تلك الكلمات التي طمأن بها نفسه: “كل ما فقدته ليس سوى ممتلكاتي”، وهنا انطلق في مشروعه التجاري التالي، متذكرًا طوابير الناس التي رآها أمام كشك الرامن.

مختبر متواضع وطموح عظيم

في كوخ خشبي بمساحة لا تتجاوز ست حصائر تاتامي (هو نوع من الحصير يستخدم لفرش الأرضيات في الغرف التقليدية على الطراز الياباني) حوّل آندو فناء منزله في إيكيدا إلى مختبر مؤقت، وهناك عمل من شروق الشمس حتى وقت متأخر من الليل على مدار عام كامل، مكرسًا جهوده لابتكار نوع جديد من الرامن (نوع من حساء المعكرونة).

رحلة شاقة نحو النجاح

يبدو أن هدف موموفوكو آندو كان واضحًا: رامن لذيذ وسهل التحضير وطويل الصلاحية؛ وآمن، وبأسعار معقولة للجميع؛ فكان بمثابة عالِم مجنون، يجري التجارب ويجرب كل ما هو ممكن للعثور على النودلز أو “الإندومي” المثالية للتغليف.

وبعد العديد من التجارب النماذج الأولية واجه آندو صعوبة في الحصول على ملمس مثالي للنودلز المعاد ترطيبها، ولكن بينما كانت زوجته تُعدّ تمبورا للعشاء ألقى آندو بعض نودلز الرامن في الزيت الساخن، واكتشف أن القلي لا يجفف النودلز فقط بل يصنع أيضًا ثقوبًا صغيرة تساعد في طهيها على الفور، وهكذا صنع النودلز سريعة التحضير في دقائق معدودة، وبات بإمكان الجميع الاستمتاع بوجبة ساخنة ولذيذة.

موموفوكو آندو

من اليابان إلى العالم

في مطلع الربع الثاني من عام 1958م وصل تشيكين رامن إلى المتاجر، لكن المفارقة هي أن الكثيرين اعتبروه منتجًا فاخرًا؛ ففي ذلك الوقت كان سعره أعلى من الحصول على حساء نودلز طازج من محل رامن محلي، ولكن سرعان ما جذب المنتج الكثير من الناس، وبدأ يُباع ويُصبح عنصرًا أساسيًا في المطابخ اليابانية.

عقلية منفتحة ونجاح عالمي

كان سر آندو هو تفكيره خارج الصندوق؛ فلم يرَ نجاحه المتأخر سيئًا بل اعتبره ثمرةً لـ 48 عامًا من تجارب الحياة، ورأى في تجربته ونكباته المكونات الضرورية لإدخال النودلز سريعة التحضير إلى العالم.

ولم يهتم آندو بعدم معرفة الأمريكيين لطريقة تناول الرامن أو استخدام عيدان الطعام؛ واستوحى مقولة الملكة ماري أنطوانيت بطريقة ساخرة قائلًا: “دعهم يأكلونه بالشوكات”.

أكواب القهوة

في مطلع الربع الأخير من عام 1966م زار موموفوكو آندو الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك ورد إلى ذهنه إبداعٍ جديدة؛ ففي لوس أنجلوس استخدم أكواب القهوة البلاستيكية الملقاة كأوعية للرامن لعرض منتجه لمسؤولي السوبر ماركت، وفي غضون خمس سنوات تقريبًا طوّر “كأس نودلز”؛ وهي نودلز سريعة التحضير في وعاء خاص بها مقاوم للحرارة، والذي اجتاح العالم، ومنذ إطلاقها في عام 1971م بِيع أكثر من 20 مليار وحدة من هذه النودلز.

حلم يتحدى الجاذبية

لم يكن هذا الإنجاز كافيًا لآندو، الذي كان يحلم بإرسال نودلز إلى الفضاء؛ فطور “رام الفضاء”: رامن سريع التحضير معبأ بالفراغ، والذي تم تقديمه إلى رائد الفضاء سويشي نوجوتشي في رحلته على متن مكوك الفضاء ديسكفري عام 2005؛ حيث خطط آندو لصنع عبوة من النودلز يمكن تناولها في الجاذبية الصفرية، فابتكر مرقة سميكة بما فيه الكفاية لتبقى متماسكة، وصنع نودلز أصغر حجمًا لا يتطلب ماء مغليًا للطهي.

إرث خالد ورمز للإبداع

عندما توفي موموفوكو آندو عام 2007م جُمعت اقتباساته في كتاب وتم توزيعه على 6500 من الحاضرين في جنازته، ومن أمثلتها: “الأكل بحكمة يُحسّن الجمال والصحة” و”السلام سيحلّ عندما يكون لدى الناس طعام”.

دروس مستفادة:

  • المثابرة والتصميم: واجه آندو العديد من التحديات في حياته، من طفولة صعبة إلى خسارة وظيفته وممتلكاته، لكنه لم يستسلم أبدًا وظل مصرًا على تحقيق أهدافه.
  • الإبداع والابتكار: لم يكن آندو مجرد رجل أعمال ناجح بل كان مبدعًا ومبتكرًا؛ حيث سعى إلى إيجاد المزيد من الحلول لجميع المشاكل التي كانت تواجه الناس، مثل: الجوع ونقص الغذاء.
  • التفكير خارج الصندوق: لم يلتزم آندو بالطرق التقليدية بل سعى إلى إيجاد المزيد من الحلول الجديدة والمبتكرة، مثل: ابتكاره نودلز سريعة التحضير في أكواب مقاومة للحرارة.
  • الشغف والالتزام: كان آندو محبًا للطعام، وله شغف كبير بتحسين حياة الناس، وهذا ما جعله ملتزمًا بتقديم منتجات عالية الجودة بأسعار معقولة تُناسب الجميع.
  • التعلم من التجارب: لم ينظر آندو إلى الفشل بأنه نهاية العالم بل اعتبره فرصة حقيقية للتعلم والتطوير، وهذا ما ساعده في تحقيق النجاح.

Loading

ما مدى اعجابك ؟

انقر على نجمة لتقييمه!

متوسط ​​تقييم 0 / 5. عدد الأصوات: 0

لا أصوات حتى الآن! كن أول من يقيم هذا المنشور.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post

التماس إعادة النظر في حكم نهائي

Next Post

قصة صبي من الغابة | قصص اطفال

Related Posts