dark

قصة الغرور طريق الكسل | قصص اطفال

0
(0)

تحكي هذه القصة التعليمية للاطفال عن فتاة تدعي جميلة، تحولت من الاجتهاد والتواضع إلى طريق الكسل والغرور بفعل تأثير خالتها سلمي، ويتبين من خلال مراقبة والدَيها وتفاعلهم مع الوضع كيف يمكن للغرور أن يكون طريق مؤذيًا يؤدي إلى الكسل وفشل محتم.

 

المعلم خليل صانع التغيير

المعلم خليل، رجل في العقد الرابع من عمره، متوسط القامة، معتدل اللون، حسن الخلق، كريم الخُلُق، لطيف المعشر، حسن الحديث، صادق اللهجة، عفيف اليد واللسان. وهو يعيش مع أسرته السعيدة، المؤلفة من زوجته ليلى وأولاده الأربعة: جميلة وفؤاد وأحلام وسعاد، في قرية صغيرة هادئة من قرى وطننا الحبيب.

إن قرية المعلم خليل مشهورة بمناخها اللطيف ونسيمها العليل ومياهها العذبة وحدائقها الغناء، فهي بحق بديعة ساحرة. أما أهلها فموصوفون بأخلاقهم الفاضلة وشمائلهم الحلوة. وهم يعرفون الجميل ويقبلون على عمل الخير، ويؤمنون بالجد والعمل، ويمقتون البطالة والكسل، ويعتمدون في تحصيل المعاش على التجارة والزراعة.

والمعلم خليل يحب قريته كثيرا، ويعمل بإخلاص من أجل رفع مستواها، كما أنه يحب أهلها، حبه لنفسه، ويعطف على أولادهم. عطفه على أولاده وأهل القرية جميعهم يحبون المعلم خليل ويحترمونه، ويقدرون غيرته على مصلحتهم، واندفاعه من أجلهم. فهو معلم أولادهم، ومربي فلذات أكبادهم. ولقد عين معلما لمدرستهم الابتدائية يوم كانت مدرسة ذات معلم واحد. وبفضل يقظته ونشاطه، أصبحت مدرسة ابتدائية كاملة، فيها خمسة صفوف، وخمسة معلمين. وأصبح هو مديرا لها ومسؤولا عنها.

والقرية الصغيرة تفاخر القرى المجاورة والبعيدة بمدرستها النموذجية، وأهلها يفاخرون أهالي باقي القرى بمدير مدرستهم: المعلم خليل.

المعلم خليل مدير المدرسة - قصة الغرور طريق الكسل

كان المعلم خليل لا يزال في الثلاثين من عمره عندما بلغت ابنته جميلة السادسة من عمرها. وجميلة أكبر أخواتها، وهي جميلة مثل اسمها. ولما دخلت المدرسة التي يديرها والدها، استقبلها التلاميذ والتلميذات في الصف الأول بابتساماتهم الحلوة اللطيفة، المرسومة على ثغورهم الصغيرة. وتمنى كل واحد منهم لو تجلس جميلة بقربه، فهم يعرفونها ويحبونها لخفة روحها وطلاقة محياها وحسن هندامها.

مدرسة مليئة بالاطفال

ولقد بقت جميلة في مدرسة القرية خمس سنوات كاملة، كانت فيها مثالاً أعلى باجتهادها وذكائها وحسن سلوكها. فهي عريفة الصف الذي تتعلم فيه، ليس لأنها ابنة مدير المدرسة، بل لأنها متفوقة على جميع رفيقاتها ورفقائها، بأخلاقها ونشاطها.

جميلة واًصدقائها تلعب في حوش المدرسة - قصة الغرور طريق الكسل

جميلة بين مقاعد الدراسة وأروقة الحياة

وكانت جميلة في الصف تصغي لشروح المعلم وتنتبه لملاحظاته. فلا تتكلم إلا إذا طُلب منها الكلام. وإذا تكلمت، فتفعل ذلك بهدوء ورصانة. وكانت في الملعب تقوم ببعض التمرينات النافعة والألعاب الخفيفة لتعود أوفر نشاطا. المراجعة، دروسها، وتذكرها.

وكانت جميلة في البيت، البنت المطيعة المخلصة، التي تساعد أمها وتطيع أباها، وتحب إخوتها وتعطف عليهم، وتهتم بشؤونهم. وهي تفهم واجباتها حق الفهم وتؤديها على أكمل وجه. كل ذلك لم يكن ليبعدها عن كتبها ودفاترها. فهي تعرف كيف تنظم أوقاتها، فتخصص قسماً منها للأعمال البيتية وتترك القسم الآخر للأعمال المدرسية. إنها تدرك أن البنت الناجحة هي التي تقوم بواجب المدرسة وواجب البيت معاً، ولا تدع أحدًا منهما يطغى على الآخر.

وجميلة، فوق كل هذا، تحب المطالعة. وكانت أجمل أوقاتها هي التي تقضيها في قراءة القصص الشائقة، التي كان يشتريها لها والدها في المناسبات والأعياد.

وكان المعلم خليل، سعيدًا جدًا بابنته جميلة، التلميذة الناجحة المتفوقة، والبنت المطيعة المخلصة. كما كان يؤمن بالقول المأثور “درهم وقاية خير من قنطار علاج”. لذلك كان ينصح ابنته جميلة، في كل مناسبة، ويقول لها: “عاشري يا جميلة الرفيقات المجتهدات، المتواضعات. وابتعدي عن الكسالى المغرورات. فالغرور يا جميلة طريق الكسل، والكسل يقود إلى الفشل”.

وكانت جميلة تحفظ نصيحة أبيها، وتعمل بموجبها. فهي تبتعد عن المغرورات وتنفر منهن، وتقبل على المتواضعات، وتأنس بهن. وهي تردد دائماً بينها وبين نفسها: “الغرور يا جميلة طريق الكسل، والكسل يقود إلى الفشل”.

لما نجحت جميلة في امتحانات الشهادة الابتدائية، سُر المعلم خليل وزوجته ليلى كثيرًا بنجاح ابنتهما الباهر. وأقاما حفل استقبال في بيتهما الجميل بهذه المناسبة السعيدة. ووزعا فيها على المهنئين والمهنئات أطباق الحلوى الفاخرة والمرطبات المتنوعة واللذيذة.

جميلة حصلت علي الشهادة الابتدائية بنجاح

لقد أنهت جميلة دروسها الابتدائية في مدرسة القرية وانتقلت إلى مدرسة المدينة. وكانت المدينة قريبة، لذا كانت تذهب صباحًا في السيارة من قريتها إلى مدرستها الجديدة، لتعود مساءً إلى بيتها. ولقد كان سرورها عظيمًا، وسعادتها لا تقدر بثمن؛ فهي أول فتاة تطلب العلم خارج قريتها.

إشراق النجاح وطريق التفوق

وكانت التلميذة الناجحة جميلة، رغم حداثة منها، تشعر بالمسؤولية الملقاة على عاتقها اتجاه نفسها وأهلها ومجتمعها. فهي تربي نفسها باستمرار، متحلية بالعفة والأمانة والصدق، وتحس مع أهلها، وتقدر تضحياتهم وأتعابهم من أجلها، مقتصدة في مأكلها وملبسها ما وسعها أن تقتصد، وهي تخدم مجتمعها وتعيش مع بنات قريتها لتنفخ فيهن من روحها وتعلمهن الصدق في القول والإخلاص في العمل.

أتوبيس يحمل الأطفال للذهاب إلي الحفلة - قصة الغرور طريق الكسل

أربع سنوات قضتها جميلة في مدرسة القصبة. كانت خلالها موضع إعجاب المديرة والمعلمات وتقديرهن. ولقد زرنها عدة مرات في بيتها لتحدثن أباها وأمها عن نشاطها وذكائها وحسن سيرتها.

وبما أنه لا شيء يفرح قلوب الآباء والأمهات مثل نجاح أولادهم. لذلك كان فرح والدي جميلة بنجاحها في امتحانات الشهادة العالية عظيمًا. وأقاما حفل استقبال كبيرًا، حضره رفقاء جميلة ورفيقاتها، كما حضره رجال القرية ونساؤها. وكان الوالدان السعيدان، وابنتهما جميلة، يستقبلون الحضور ويحتفون بهم، ويبالغون في تكريمهم.

وقبل انتهاء الحفلة، وعلى مسمع من الجميع، وقف المعلم خليل وألقى كلمة بليغة، شكر فيها المهنئين والمهنئات على عواطفهم النبيلة السامية. ثم وجه كلامه إلى ابنته جميلة، ليهنئها بفوزها الباهر. ولينصحها بقوله: “عاشري، يا جميلة الرفيقات المجتهدات، المتواضعات، وابتعدي عن الكسالى المغرورات. فالغرور، يا جميلة، طريق الكسل. والكسل يقود إلى الفشل”.

المعلم خليل ينصح جميلة أن الغرور طريق الكسل

لقد استحسن المدعوون كلمة المعلم خليل البليغة، وحفظوا نصيحته الغالية التي نصح بها ابنته. ثم انصرفوا إلى بيوتهم فرحين، مسرورين. أما جميلة، التلميذة المجتهدة المتواضعة، فقد تقدمت من والديها بعد انتهاء الحفلة وقبلتهما ثم قبلت إخوتها، ودخلت غرفتها لتردد نصيحة أبيها “الغرور، يا جميلة الثمينة، طريق الكسل والكسل يقود إلى الفشل”.

رحلة العلم في العاصمة

صمم المعلم خليل على إرسال ابنته جميلة إلى العاصمة لمتابعة علومها الثانوية في إحدى كلياتها. ولقد شجعه على ذلك وجود أخيه موظفًا في العاصمة. وهكذا انتقلت جميلة من بيت أبيها في القرية إلى بيت عمها في المدينة. ولقد تعهدها عمها برعايتها وهيأ لها جميع أسباب الراحة، كي تتفرغ لدروسها وتنجح في امتحاناتها.

غير أن جميلة الفتاة المهذبة، المجتهدة، الأمينة، أبت عليها غيرتها إلا أن تشتغل في بيت عمها شغلها في بيت أبيها؛ فكانت تخصص قسمًا من وقتها لتعليم أولاد عمها، فتشرح لهم فروضهم وتساعدهم على حفظ دروسهم. كما كانت تشارك أحيانًا امرأة عمها في بعض الأعمال البيتية والشؤون المنزلية، مما أثار إعجاب عمها، فأصبحت أحب أبنائه إليها وأعزهم عليه.

لم يمض على جميلة في الكلية شهر واحد، حتى أصبح اسمها على كل شفة ولسان. فالمديرة والمعلمات والطالبات، جميعهن يتحدثن عن نشاط جميلة وذكائها ولطفها وتواضعها. فلقد تفوقت في دروسها وفروضها، وتفوقت في أخلاقها وسلوكها. وأصبحت أمينة سر المكتبة وانتخبت رئيسة لجمعية الخطابة والتمثيل، كما اشتركت في تحرير مجلة الكلية.

جميلة تعيش مع خالتها سلمي

لقد كانت جميلة بحق موضع تقدير وإعجاب طالبات الكلية. فهي تعطف على الصغيرات منهن وتعلمهن، وتحترم الكبيرات وتحترم آراءهن. انقضى العام الدراسي الأول، وكان نجاح جميلة في الامتحانات النهائية مرموقا. عادت إلى قريتها الهادئة لتقضي بين أهلها وذويها فصل الصيف الجميل، فتروح عن نفسها وتجدد قوتها ونشاطها، استعدادا للعام الدراسي الثاني الذي يتوقف على نجاحها في امتحاناتها النهائية، دخولها لدار المعلمين العالية، ومن بعد مستقبلها العلمي.

المعلم خليل ينصح جميلة

والمعلم خليل، الذي تخرج من دار المعلمين الابتدائية منذ عشرين سنة، يريد أن تتخرج ابنته جميلة من دار المعلمين العالية، لتطيب نفسها وتقر عينه. وفي الأسبوع الأخير من شهر أيلول، وقبل التحاق جميلة بكليتها بأيام قلائل، وفي سهرة عائلية سعيدة، جلس المعلم خليل مع أولاده، وأخذ يحدثهم عن فوائد العلم ومنافعه، ثم بين لهم أن العالم الذي يعيشون فيه، عالم فكر وعلم وهو يرحب بالمثقفين والمتعلمين، ويمقت الجهال والمغرورين. وطلب منهم أن يجدوا ويجتهدوا، وأن يعاشروا المجدين والمجتهدين، الذين يعملون ليلًا نهارًا، طلبا للمعرفة، وسعيا وراء العلم.

ثم التفت نحو ابنته جميلة بكليته وقال لها: “جدي يا جميلة واجتهدي، فأنت محط أملنا وموضع رجائنا، وإخوتك يتشبهون بك، فإن نجحت نجحوا وإن رسبت كنت لهم أسوأ مثال، وإن ثقتي بك كبيرة، فأنا لا أخاف عليك إلا من معاشرة الكسالى والمغرورات، خشية أن يتسرب الكسل إلى نفسك، ويجد الغرور طريقه إلى رأسك. والغرور والكسل يقودان إلى الفشل.”

انتهى فصل الصيف، وفتحت المدارس أبوابها والتحقت جميلة بالكلية لمتابعة دروسها، ونزلت في بيت عمها الذي رحب بها كثيرا. فهو يحب ابنة أخيه مثل حبه لأولاده، ويغار على مصلحة أخيه، غيرته على مصلحته.

وكان أن انتقل إلى العاصمة، خال جميلة يوسف، ومعه أخته سلمى، خالة جميلة، وسلمى من النساء الفاشلات في حياتهن رغم طهارة ذاتها وصفاء قلبها. ومرد فشلها إلى غرورها، واستبدادها برأيها. إذ أن نصيب المغرورات الخيبة والفشل.

جميلة وتحديات الغرور

وعلمت جميلة بانتقال خالتها إلى العاصمة، فقامت بزيارتها واستقبلت سلمى، ابنة أختها، باستقبال عظيم. قدمت تمنياتها لها بتكرار مثل هذه الزيارات في المستقبل عندما تسمح الظروف، ووعدت جميلة خالتها بخير. ثم قامت جميلة بزيارة ثانية وثالثة، وأخيراً انتقلت جميلة من بيت عمها إلى بيت خالها لتكون قريبة من خالتها.

يظهر أن جميلة تألفت من خالتها سلمى وتأنس بها، رغم علمها بغرورها. نسيت جميلة أن الغرور يعدي وأنه طريق الكسل، والكسل يقود إلى الفشل.

فعلاً، انتقل بعض غرور سلمى إلى ابنة أختها جميلة، وأصبحت جميلة تعيش مع كتبها ساعة، ومع خالتها ساعات تضيعها في الحديث السطحي الذي لا يتعدى مواضيعه السينما والساعة والفستان. قد أهملت جميلة دروسها وفروضها، وتنكرت إلى حد ما لواجباتها المدرسية، وضربت عرض الحائط بالمثل الذهبي القائل: “العلم كنز لا يفنى”.

علمت ليلى، أم جميلة، بحال ابنتها وانتقالها من بيت عمها إلى بيت خالها. فطلبت من زوجها المعلم خليل أن يسمح لها بزيارة ابنتها في العاصمة، وقام بالسماح. وصلت زوجة المعلم خليل إلى العاصمة ونزلت في بيت أخيها يوسف، وكانت سعادة أختها سلمى بها لا تقدر. حضرت جميلة من المدرسة، ووجدت أمها تنتظرها بشوق ولهفة. وكان لقاءً حلوًا بين الأم وابنتها، حيث حضنت أم جميلة ابنتها وقبلتها بعطف وحنان. سألت جميلة أمها عن أبيها وأخواتها، متمنية لهم الصحة والسعادة.

أم جميلة تحب أختها سلمى حباً جماً، وتحترمها كثيراً لأنها أكبر منها. كما أنها تخاف على ابنتها جميلة من أن ينتقل إليها بعض غرور خالتها، فتفشل في امتحاناتها. لذلك، وبمعزل عن أختها سلمى، انفردت بابنتها وطلبت منها أن تعيد سيرتها الأولى، وتحول كل انتباهها لدروسها وفروضها. غير أن جميلة نظرت إلى أمها بزهو وغرور وخيلاء وقالت لها: “إن ثقتي بنفسي كبيرة، واعتمادي عليها عظيم، فلا تجزعي ولا تخفي”.

الكسل طريق الغرور

أقامت ليلى، زوجة المعلم خليل، يومين في العاصمة، لاحظت فيهما مدى تأثر ابنتها جميلة بأختها سلمى. فجميلة المجتهدة المتواضعة، أصبحت كسلانة ومغرورة. قد أدركت أم جميلة هذا التحول الخطير في حياة ابنتها، ولكنها سكتت على مضض، وعادت إلى القرية مضطربة الخاطر، مشوشة البال. فهي تخاف أن تفشل ابنتها جميلة، وتشمت بها رفيقاتها من الفتيات اللواتي لم تسمح لهن ظروفهن بمتابعة تحصيلهن في مدارس العاصمة. كما يغضب أبوها الذي لا يفكر مطلقاً بفشل ابنته لأنه يعهدها ذكية ومجتهدة ومتواضعة.

لما علم المعلم خليل من زوجته ليلى أن ابنته جميلة قد انتقلت من بيت عمها إلى بيت خالها، ضرب كفاً بكف وحسب ألف حساب. إنه يخاف على ابنته من الغرور. وهي تعيش مع خالتها في بيت واحد، وخالتها مغرورة، وربما انتقل غرور خالتها إليها لأن الغرور يعدي. والغرور في عرف المعلم خليل طريق الكسل، والكسل يقود إلى الفشل. فلا بد له إذا من الذهاب إلى العاصمة، وزيارة مديرة الكلية، والاطلاع على مستوى ابنته جميلة علمياً وأخلاقياً. فلقد حل الشك في نفسه محل اليقين بنشاط ابنته واجتهادها، وتواضعها.

جميلة أصبحت تشعر بالغرور

إعادة جميلة إلي طريق النجاح

ذهب المعلم خليل إلى العاصمة ونزل في بيت أخيه، وعندما سأله عن سبب انتقال ابنته جميلة إلى بيت خالها، قال له أخوه: “لقد رغبت هي بذلك، وحاولت إقناعها، فلم تقنع. فهي ترى أن إقامتها في بيت خالها وبالقرب من خالتها يساعدها على التفرغ لدروسها أكثر مما لو بقيت عندي، ولقد وافقت معها مكرهاً بانتظار حضورك”.

ضاقت العاصمة بالمعلم خليل رغم سعتها، وترك بيت أخيه ليزور مديرة الكلية. ولما وصل إلى الكلية ودخل على المديرة وعرفها بنفسه، رحبت به كثيراً، واستقبلته أحسن استقبال. فهي تقرأ له في المجلات الأدبية والتربوية، وتسمع عن إخلاصه لمهنته التعليمية الشيء الكثير. ومن حديث إلى حديث، سأل المعلم خليل المديرة عن ابنته جميلة. لقد سألها ويده على قلبه، فهو يخشى أن يأتي الجواب على غير ما يحب ويتمنى. وهكذا كان فلقد اعتدلت المديرة في جلستها وراء مكتبها، وأجابت زميلها الكريم المعلم خليل بصدق وصراحة، وعلى مسمع من الطالبة جميلة التي علمت بوجود أبيها في إدارة المدرسة، فحضرت لتحييه وتسلم عليه، فسمعت بأذنيها جواب المديرة التي قالت لأبيها: “إن جميلة كانت عنوان المدرسة، باجتهادها وذكائها وتواضعها. أما اليوم فهي مهذبة وخلوقة، ولكنها قليلة الاجتهاد. فهي تهمل فروضها ولا تحفظ في أكثر الأحيان دروسها. وإننا نخاف عليها أن تفشل في الامتحانات النهائية التي أصبحت على الأبواب.

ولا نزال، أنا والمعلمات، في حيرة من أمر جميلة. فنحن لا نعلم ماذا طرأ عليها، ولماذا انحرفت عن طريق النجاح الذي سلكته خلال العام الماضي، وفي مطلع هذا العام. وكنت أتمنى أن تكون زيارتك لنا يومًا كانت ابنتك جميلة في طليعة طالبات الكلية نشاطًا واجتهادًا؛ لتسمع مني رأيًا يطمئن إليه خاطرك، ويرتاح له بالك. وعلى كل ينبغي أن نتعاون جميعًا، أنا وأنت وجميلة، لكي تعيد جميلة سيرتها الأولى.

دموع الندم

ولما انتهت المديرة من جوابها، حول المعلم خليل نظره نحو ابنته جميلة، فرآها مطرقة، والدموع تنهمر من عينيها. إنها دموع الندم. فلقد تذكرت جميلة نصيحة أبيها وقوله لها: “عاشري يا جميلة الرفيقات المجتهدات، المتواضعات، وابتعدي عن الكسالى المغرورات، فالغرور يا جميلة طريق الكسل، والكسل يقود إلى الفشل.”

ثم وقف المعلم خليل، وشكر المديرة وودعها، وودع ابنته جميلة، وخرج. لقد عرف سبب إهمال ابنته وتأخرها. وعاد إلى قريته المفضلة، وهو يعلم أن نتيجة جميلة في امتحاناتها النهائية، ستكون الفشل المؤكد.

لقد وصل المعلم خليل إلى قريته. وروى لزوجته ليلى، قصة جميلة وخالتها من ألفها إلى يائها. فبكت أم جميلة عندما سمعت القصة التي سبق لها وقرأت مقدمتها يوم زارت ابنتها في العاصمة وكانت تخاف دائمًا من نهايتها.

ومضى أسبوع واثنان وثلاثة وتقدمت جميلة للامتحانات النهائية وقبل إعلان النتائج، عادت إلى قريتها، واستقبلها أبوها وأمها، وإخوتها، ولما سألوها عن الامتحانات، طمأنتهم، وأنعشت أملهم. مرت الأيام، وأم جميلة وإخوتها ينتظرون فوزها ونجاحها، أما أبوها فكان ينتظر رسوبها وفشلها. المعلم خليل يكفر بالحظ ويؤمن بالعمل؛ لأن الحظ سلاح الكسالى والمغرورين، والعمل سلاح المجدين والمجتهدين.

وأخيرًا نشرت إحدى الصحف اليومية نتائج الامتحانات وذكرت أسماء الفائزين والفائزات واشترت أم جميلة جريدة وقرأتها فلم تجد اسم ابنتها بين تلك الأسماء، وتناولها إخوة جميلة وقرأوها، فلم يجدوا اسم شقيقتهم بين أسماء الناجحين، فأعطوها إلى جميلة التي أمسكتها بيدها والدموع تتساقط من عينيها، ولما لم تجد اسمها أدركت خطأها للمرة الثانية وندمت على غرورها وتذكرت نصيحة أبيها وقوله لها: “فالغرور يا جميلة طريق الكسل، والكسل يقود إلى الفشل.”

والد جميلة يقرأ الصحف - قصة الغرور طريق الكسل

أما المعلم خليل فقد أخذ الجريدة من يد ابنته جميلة، ليقرأ فيها آخر الأخبار.

المصدر

قصة الغرور طريق الكسل – حكايات وأساطير للأولاد – منشورات المكتب العالمي للطباعة والنشر – بيروت

Loading

ما مدى اعجابك ؟

انقر على نجمة لتقييمه!

متوسط ​​تقييم 0 / 5. عدد الأصوات: 0

لا أصوات حتى الآن! كن أول من يقيم هذا المنشور.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post

رييل ستوري | وزير الثقافة الفلسطيني: إسرائيل سرقت 12 متحفا ضمن حربها على غزة | ثقافة

Next Post

رييل ستوري | 6 طرق لحماية صحتك النفسية من أضرار وسائل التواصل الاجتماعي | منوعات

Related Posts