dark

قصة الجواهر الخالدة | قصص اطفال

0
(0)

تدور قصة الجواهر الخالدة عن حكاية معبرة، تُظهر حياة شقيقين في روما القديمة، حيث يعيش الأخ الأكبر أنطونيو حياة فخمة ورغدة ويُظهر اهتمامه الزائد بالثروة، بينما يتبنى الأخ الأصغر ألبرتو نهجًا أكثر تواضعًا ويعتني بقيم الثقافة والتعلم.

 

 

قد يتأثر الصغار، كما يتأثر الكبار، بمظاهر الدنيا البراقة، وتكون نتيجة ذلك سيئة عليهم. لذلك يجب على الوالدين، وعلى الأم بالذات، مُرَاقَبَةُ الأطفال وحسن توجيههم إلى المبادئ والأخلاق الحميدة.

بين بخل وترف وحب للثقافة

في مدينة روما القديمة، كان هناك أخوان ورثا ثروة طائلة بعد وفاة والدهما. كان الأخ الأكبر يُدعى (أنطونيو)، والأخ الأصغر يُدعى (ألبرتو).

وعلى الرغم من أنهما كانا شقيقين، اختلفت طباع أحدهما عن الآخر اختلافًا كبيرًا. كان (أنطونيو)، الأخ الأكبر، محبًا للظهور وفَرْضِ سَيْطَرَتِهِ على الناس، وكان يقتني أجمل الجياد وأقواها، لا لشيء سوى أن يتفاخر بها.

على الرغم من أنطونيو لم يكن في حاجة إلى تلك الجياد بسبب عمله في التجارة، نجح في تجارته بنجاح كبير. اشترى قصرًا فاخرًا وكان يتنقل في طرقات المدينة في عربته الخاصة التي كانت تجرها أربعة جياد بيضاء. ورغم ترفه واسع وازدياد ترفه يومًا بعد يوم، كان (أنطونيو) بخيلاً إلى آخر درجات البخل، فلم يتصدق مرة واحدة على فقير أو مسكين. وكلما ازدادت تجارته روجاً، ازداد حبه للمال.

أما الأخ الأصغر (ألبرتو)، فلم يكن يكترث لجمع المال وتكديسه كأخيه الأكبر (أنطونيو). كان (ألبرتو) يهوى القراءة والاطلاع، وكانت الكتب في ذلك الوقت نادرة وباهظة الثمن. إلا أن حب (ألبرتو) للثقافة دَفَعَهُ إلى شراء عدد كبير من الكتب غير مكترث بغلاء ثمنها.

كانت أسعد لحظات (أنطونيو) تلك اللحظات التي ينفرد فيها بخزانته لِيُحْصِي كميات الذهب والمجوهرات الثمينة التي أصبح يمتلكها. وعلى قدر بخل (أنطونيو) وتقتيره الشديد، كانَ كَرَمُ (ألبرتو) ورحمته بالفقراء والمساكين.

أحب (ألبرتو) فتاة كانت من أسرة متوسطة الحال في روما. كان اسم الفتاة كان (كورنيليا).

لم تكن (كورنيليا) باهرة الجمال، ولكنها كانت لطيفة وعلى جانب كبير من الرقة والتهذيب.

كانت (كورنيليا) ـ على الرغم من فقرها ـ تَعْتَزُّ بِنَفْسِها اعتزازاً كبيراً، فكانت إذا خرجت من بيتها لقضاء حاجة لها، سارت في طرقات مدينة روما رافعة الرأس، لا تَلْتَفِتْ يَمْنَةٌ ولا يسرة.

كورنيليا تدخل المكتبة لتلتقي بألبرتو
ألبرتو يقابل كورنيليا - قصة الجواهر الخالدة

وكانت بقوامها الجميل وقدها الممشوق تلفت إليها أنظار الرجال. ولكنها كانت لا تبالي بهم ولا تهتم بعبارات الاستحسان التي يقولها بعضهم.

وكانت (كورنيليا) مولعة بشدة بالقراءة والاطلاع.

هكذا شاء القدر أن يلتقي (ألبرتو) بـ (كورنيليا) في حانوت لبيع الكتب.

حب بين صفحات الكتب

لم يكن لـ (ألبرتو) اهتمامًا بها حين رآها أول مرة، لأن وجهها كان عاديًا رغم رشاقة جسمها وانفها الطويل إلى حد ما.

ولكن (ألبرتو) ما كاد يسمع صوت (كورنيليا) وهي تتحدث مع بائع الكتب حتى اهتم بها بشكل كبير. كانت تسأل عن كتاب، فأخبرها البائع أن لديه كتابًا آخر أفضل منه، وذكر لها اسم الكتاب. ردت (كورنيليا) بابتسامة هادئة: “لقد قرأت هذا الكتاب الذي تعرضه علي، ولم يعجبني.” وسألها البائع: “لماذا لم يعجبك؟” أجابت (كورنيليا): “لأن مؤلفه يهتم بشكل كبير بالألفاظ الرنانة والكلمات الصعبة، وأهم شيء في نظري هو المعاني لا مجرد الألفاظ الرنانة.”

كان (ألبرتو) يتظاهر بالبحث عن كتاب لشرائه، ولكنه كان يتابع بشغف المناقشة بين (كورنيليا) وبائع الكتب. كانت (كورنيليا) تتحدث بصوت رخيم حلو النبرات، وكان حديثها هادئًا يدل على ثقافة واسعة، وكما هو الحال مع (ألبرتو)، لا تكترث بالمظاهر البراقة.

الكتاب الذي كانت تسأل عنه (كورنيليا) لم تجده موجودًا عند (ألبرتو). وعلى الرغم من أن هواة جمع الكتب من المثقفين لا يفرطون أبدًا في أي كتاب، ويرفضون إعارته حتى لأقرب الناس إليهم. إلا أن (ألبرتو) قدم لها إعارة للكتاب معربًا عن سعادته بهذا الأمر.

ألبرتو يعرض مساعدته علي كورنيليا

وقالت (كورنيليا) مع ابتسامة صغيرة: “لا أدري كيف أشكرك.” وقام بائع الكتب بتقديم كل منهما إلى الآخر. ومن ثم تعددت لقاءاتهما في حانوت بيع الكتب وفي بعض الأماكن الأخرى. كانت علاقتهما طاهرة شريفة، وكانت جميع حديثيهما يدور حول مناقشة الموضوعات التي يقرأونها في الكتب.

وتأكد (ألبرتو) من أن (كورنيليا) هي الفتاة المناسبة له إذا فكر في الزواج. وعزم على أن يخطبها من أبيها.

اختلاف الرؤي وتحقيق السعادة

وكان يجب عليه أن يستشير أخاه الأكبر أنطونيو، كما تقضي بذلك تقاليد الأسر العريقة في مدينة روما القديمة. وذهب ألبرتو إلى قصر أخيه، حيث فهمه أنطونيو يرغب في الزواج من كورنيليا. سأله أنطونيو عن أسرة كورنيليا، وأجاب ألبرتو قائلاً: “أنا لا يهمني اسم الأسرة، فكم من فتيات ينتمين إلى أسر ذات أسماء رنانة، قلبن حياة أزواجهن إلى ما يشبه الجحيم، إنها من أسرة متوسطة الحال.”

رد أنطونيو: “إذا أردت أن تعرف رأيي، فإني أنصحك بعدم التفكير في الزواج من هذه الفتاة.” واستفسر ألبرتو قائلاً: “ولكن.. لماذا؟” أجاب أنطونيو: “- إنك لم تفكر في استثمار ثروتك كما فعلت أنا، فإذا تزوجت من فتاة فقيرة مثل كورنيليا هذه، فسوف تكون عبئاً ثقيلاً عليك، وتزداد نفقاتك أضعافًا إذا أصبحت أبا لعدة أطفال. أنا نفسي أفكر في الزواج، ولكني لن أتزوج إلا من فتاة على جانب كبير من الثراء، فأضم ثروتها إلى ثروتي ونعيش في سعادة وأمان.”

لم يقتنع ألبرتو بما سمعه من أخيه الأكبر أنطونيو، وتقدم لخطبة كورنيليا ووافقت أسرتها على ذلك، وتزوجا. ودارت الأيام ومرت الأعوام. وكان أنطونيو قد تزوج من فتاة تنتمي إلى أسرة ثرية واسعة الثراء، وكان اسمها أوفيديا. أما ألبرتو فرزق بخمسة أطفال، بنتين وثلاثة صبيان.

كورنيليا تنجب من ألبرتو خمسة أطفال - قصة الجواهر الخالدة

وكان ألبرتو يعيش مع زوجته في سعادة غامرة، فهما متفاهمان في كل شيء. ومكنته سعة اطلاعه من أن يُلقي الدروس والمحاضرات في بعض المدارس والمعاهد العالمية التي كانت منتشرة في مدينة روما في ذلك الوقت، وأمكنه بذلك أن يدخر شيئًا من المال. وساعدته كورنيليا على الادخار، لأنها كانت بطبيعتها تمتاز بالقناعة، ولم تكن تهتم بمظاهر الدُّنيا كَغَيرها من النساء.

واهتم الاثنان اهتماماً كبيراً بتربية أبنائهما وتثقيفهم. كانت أوفيديا زوجة أنطونيو وكورنيليا تتبادلان الزيارات بين وقت وآخر.

حقيقة الجواهر الخالدة

وفي أحد الأيام حضرت أوفيديا لزيارة كورنيليا، وكانت تتزين كعادتها بمجوهرات ثمينة من الماس واللؤلؤ والذهب.

سأل أحد الأطفال أمه كورنيليا ببراءة: “أليست لديك يا أمي مجوهرات مثل زوجة عمي؟” ردت كورنيليا وهي تربت برفق على رأس الطفل: “كلا يا حبيبي، لأني أكتفي بالمجوهرات التي عندي.” وسألها الطفل: “وما هي هذه المجوهرات؟”

أجابت كورنيليا: “مجوهرتاني الثمينتان هي أنت وأخواتك، فأنتم أغلى من أي مجوهرات في هذه الدنيا.” وحققت الأيام ما قالته كورنيليا لأبنها الصغير. كان أنطونيو ينفق من ترته في بذخ ليُلَبِّي مطالب أوفيديا. ولم تكن لمطالب أوفيديا نهاية.

كانت ترتدي أوفيديا أفخر الثياب ولا تظهر بالثوب الثمين إلا مرة واحدة ثم تلقي به وتشتري ثوبًا آخر، وكانت تفعل ذلك أيضاً بالحلي والمجوهرات، تشتريها بأغلى ثمن ثم تبيعها بأبخسها لتشتري غيرها. وركبت أنطونيو الديون وأصبحت حياته مع زوجته أوفيديا جحيماً لا يُطاق، فهي تدور وتغضب إذا تأخر في تلبية أي طلب من طلباتها.

ومرت الأيام… وشب الولدان وقد تزودا بأقصى ما يمكن التزود به في ذلك الوقت، وأصبح أحدهما ضابطاً مرموقاً في الجيش، أما الثاني فقد شغل منصباً في البلاط الملكي. وتزوجت كل من بنات كورنيليا زواجًا مشرفًا، وأصبحت بيوت ابنيها وبناتها كأنها بيوتها، فهم يعمرونها بالحب والحنان.

أما أنطونيو فإنه افترق عن أوفيديا بعد أن أوشكت ثروته على الضياع. وهكذا كانت جواهر كورنيليا أثمن وأبقى من جواهر أوفيديا.

المصدر

قصة الجواهر الخالدة – حكايات وأساطير للأولاد – منشورات المكتب العالمي للطباعة والنشر – بيروت

Loading

ما مدى اعجابك ؟

انقر على نجمة لتقييمه!

متوسط ​​تقييم 0 / 5. عدد الأصوات: 0

لا أصوات حتى الآن! كن أول من يقيم هذا المنشور.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post

رييل ستوري | الرواية وحرب السرديات.. مذبحة “دير ياسين” في رواية عربية جديدة

Next Post

قصة الابن البار وشيخ البحر

Related Posts