dark

تجارة الآثار.. الحيتان والبساريا – عماد الدين حسين

عماد الدين حسين

0
(0)

يوم الخميس الماضى، ألقت أجهزة الأمن القبض على برلمانى سابق بتهمة المتاجرة فى الآثار وتهريبها «مستخدما الدجل، ومدعيا تسخيره للجن» حسبما جاء على معظم المواقع الإخبارية مساء نفس اليوم.
وسائل الإعلام المختلفة أبرزت هذا الخبر، وبعضها قام بالتنقيب فى سيرة هذا البرلمانى الذى كان موضوعا للجدل لفترات طوال سنوات، خصوصا أن له أقوالا طريفة مثل: «أنا مصاحب ملك الجن، وأكبر واحد فيهم بيدلنى على كل حاجة، وأنا الأسرع والأقوى فى معالجة حالات المس بالجن، وأى حالة مس لا تستغرق ساعات بينى وبين الجن للخروج من جسد الإنسان، ومن لا ينفذ التعليمات أتخذ معه إجراءات معينة!!!!».
موضوعى اليوم ليس هذا النائب، فهو من وجهة نظرى برىء إلى أن تثبت إدانته، ولكن دهشتى من الذين يصدقون مثل هذه التخاريف والخزعبلات، ومن سوء الحظ مثلا أن نادى الزمالك العريق اصطحب معه هذا النائب خلال لقائه مع نادى الوداد البيضاوى فى دورى الأبطال الأفريقى قبل سنوات قليلة بدعوة إحباط أية أعمال سحر وشعوذة، بل والتقط صورا مع الجهاز الفنى للزمالك وعدد من اللاعبين، كما أورد موقع «مصراوى» مساء الخميس الماضى.
هذا المتهم كان على علاقة قوية بعدد من قادة الحزب الوطنى المنحل، وله صورة شهيرة وهو يحاول تقبيل يد الرئيس الأسبق حسنى مبارك أثناء علاجه.
ضبط هذا النائب وتوسع وسائل الإعلام فى النشر عن هذا الحادث، ربما لأن صاحبها شخصيته جدلية كما أوضحنا، إضافة إلى وجود شخصيات عامة كبيرة ربما تكون متورطة فى هذه القضية.
ما أريد التركيز عليه اليوم هو أن هناك العديد من حوادث التنقيب عن الآثار أو حيازتها أو محاولة تهريبها وبيعها. ولا يتم الالتفات إليها، إلا حينما يكون المتهم فيها شخصية مشهورة.
هذه التجارة صارت أكثر من جرائم النشل فى المواصلات العامة، ووصل الفُجر بتجار الآثار إلى إرسال رسائل علنية على الهواتف لمواطنين عاديين يقولون فيها إن لديهم آثارا للبيع!
وبما أننا دولة تملك جزءا كبيرا من آثار العالم، فإن غالبية قرى وبنادر ومحافظات مصر بها آثار قديمة، ولا يمر يوم تقريبا إلا ونسمع أو نقرأ عن حادثة تقول سطورها ما معناه: «توفى شخص أو أكثر وأصيب آخرون خلال التنقيب عن الآثار داخل بيته، فانهار البيت فوقه فلقى حتفه على الفور».
أسمع عن هذه القصص فى كل مرة أزور فيها محافظة صعيدية. وحينما أتفاجأ من ثروة عائلة كانت رقيقة أو متوسطة الحال، تكون الإجابة الجاهزة والسريعة هى «فتش عن تجارة الآثار».
هذه التجارة المحرمة صارت أخطر من تجارة المخدرات أو السلاح أو أى ممنوعات أخرى! القاسم المشترك الأكبر فيها أنها ليست قاصرة على فئة أو منطقة بعينها. كثيرون من كل المهن والمستويات يعملون بها، لأن مكاسبها تفوق الخيال. بل إن الأسوأ أن مثل هذه التجارة جعلت العديد من الشباب صغير السن يحلم بممارستها باعتبارها الباب الملكى للثراء السريع. معظم هؤلاء الحالمين بالثراء السهل هم الوقود أو الضحايا الذين يسقطون خلال عمليات التنقيب أو خلال القبض عليهم وهم يحاولون ترويج هذه الآثار لكن الحيتان الكبار لا نراهم مطلقا إلا حينما يسقطون.
مرة أخرى نسمع عن صغار ومجهولين يموتون سعيا وراء الكسب الحرام، ونسمع عن مسئولين كبار يحاولون استغلال نفوذهم سعيا وراء نفس الهدف، بعضهم يفلت بجريمته ويحقق الثروة الطائلة، وبعضهم يتم ضبطه وفضحه وتجريسه.
قبل سنوات قليلة كان هناك شقيق لأحد كبار المسئولين السابقين تم القبض عليه بتهمة المساعدة فى تهريب آلاف القطع الأثرية لدولة أوروبية.
وهناك اتهامات تطال دبلوماسيين أجانب كثيرين بتهريب الآثار سواء حبا فى اقتنائها أو سعيا وراء أحلام الثراء السريع.
تهمة التهريب لا يقع فيها فقط الأفراد. ولكن دول بأكملها تفننت فى تهريب مئات الآلاف من القطع الأثرية، خصوصا فى الماضى، حينما لم تكن هناك تشريعات حاسمة أو إجراءات رادعة تمنع خروج الآثار من مصر. وصارت بعض الدول الأوروبية تمتلك قطعا أثرية نادرة. تزعم أنها حصلت عليها بطريق قانونى فى الماضى، رغم أن الوقائع الفعلية تقول إن خروجها تم عبر التهريب أو الغش والتدليس.
أتمنى أن تتضافر كل الجهود للضرب بيد من حديد على كل العاملين فى تجارة الآثار، الكبير منهم قبل الصغير.
ضرب الحيتان الكبيرة مهم جدا لأنه سوف يدهس فى طريقه كل البساريا الصغيرة، ويرسل برسالة واضحة، لكل لصوص الآثار الكبار بأنهم سوف يسقطون إن آجلا أو عاجلا.

Loading

ما مدى اعجابك ؟

انقر على نجمة لتقييمه!

متوسط ​​تقييم 0 / 5. عدد الأصوات: 0

لا أصوات حتى الآن! كن أول من يقيم هذا المنشور.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post

من هو أكبر كاتب أنمي

Next Post

"الخجل" المرتبط بالقلق الاجتماعي.. متى يتطور لحالة مرضية؟

Related Posts