dark

الكتابة على قافية تاء التأنيث

0
(0)

الشارقة: علاء الدين محمود
لا يمكن الحديث عن الفعل الثقافي والمعرفي والمشهد الإبداعي والأدبي، في الإمارات دون ذكر الدور الرئيسي والمؤثر للمرأة إلى جانب زميلها الرجل، حيث لم يكن ظهور النساء الأديبات منذ ما قبل تأسيس الدولة ظاهرة عابرة بل أمر راسخ وعميق، حيث خطت المرأة الإماراتية سطوراً وصفحات عبرت عن استحقاقها في الساحة الأدبية في جميع الأنماط والأجناس، ما بين الشعر والرواية والقصة وحتى النشر، تلك مسألة ليست مستحدثة، بل قديمة وضاربة في جذور الثقافة الإماراتية التي نهضت منذ البدء على أكتاف الأدباء والمبدعين من النساء والرجال على قدم المساواة.
لقد استطاعت المرأة الإماراتية أن تنتج أدباً وإبداعاً إنسانياً يتحدث عن مسيرة عظيمة ملهمة، ويشير في ذات الوقت إلى مستقبل واعد للمشهد الثقافي الإماراتي.
وهناك الكثير من المراجع المدونة التي تتحدث عن ريادة المرأة الإماراتية في الأدب، ولعل من أبرزها كتاب الدكتورة الأديبة والباحثة رفيعة غباش، والذي حمل عنوان: «موسوعة المرأة الإماراتية»، وهي توثيق لمسيرة نساء الإمارات اللاتي نهضن وأبين العيش على هامش الحياة، حيث أنجزت غباش تلك الموسوعة بالتعاون مع وجه نسائي آخر له إسهامه الكبير في كل ساحات المعرفة الإماراتية، وهي أستاذة العلوم السياسية د. مريم لوتاه، وانجرت تلك الموسوعة في 10 سنوات منذ عام 2008 وحتى سنة 2018، لم تترك فيها المؤلفة شاردة أو واردة فيما يختص بالنساء في كل المجالات إلا وأحصتها وبينتها ووضحت خلفياتها وطبيعتها بمنهج يرصد ويحلل ويفسر ويتناول حضور المرأة الإماراتية منذ عام 1900، حيث استعرضت أرقاماً عن النساء الرائدات في مجالات مختلفة، ففي الأدب تم توثيق مسيرة 66 أديبة، منهن 29 شاعرة، و32 قاصة وروائية، وذلك جهد رفيع يبرز قدر المرأة الأديبة الإماراتية في الدولة وعلى مستويي الخليج والعالم العربي، ويكشف عن حضور النساء في مشهد الأدب والثقافة عبر مسيرة لم تكن سهلة، بل عانت فيها المرأة المبدعة كثيراً.
عطاء مستمر
واصلت الأديبة الإماراتية مسيرتها، خاصة عقب قيام الاتحاد، وما كان ذلك ليتم لولا الدعم الكبير الذي وجدته من الدولة التي آمنت بحقوق النساء وشجعت عليها، حيث حرص المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، منذ اللحظات الأولى للتأسيس على دعم المرأة الإماراتية، وتمكينها في شتى المجالات والقطاعات والتي من ضمنها قطاع الثقافة والفنون، لتصبح بالتالي عنصراً فعالاً له أثره الواضح في النهضة الإبداعية الإماراتية على مدار الخمسين عاماً الماضية، وكانت فترة السبعينات من القرن الماضي بمنزلة مسرح أفرد مساحات تحركت فيها النساء الإماراتيات المبدعات فأبرزن إنتاجهن الأدبي والشعري، فكان أن ظهرت في ذلك الوقت الباكر قبيل لحظات من بدايات تأسيس الدولة أول قصة قصيرة في الإمارات وهي التي حملت عنوان «الرحيل»، للكاتبة الرائدة شيخة الناخي والتي نشرت في عام 1970، لتنتشر بعدها الإبداعات النسوية الإماراتية في مجال الأدب.
صوت الشعر
للشعر خصوصيته عند العرب، فقد ارتبط بهم، وقد عرف التاريخ العربي الكثير من الشاعرات اللواتي أبدعن وتفردن، وفي ساحة الفعل الإبداعي الإماراتي، ظهر الكثير من الأسماء النسوية ولمعت في سماء الأدب من قبل شاعرات نثرن عطر إبداعهن حتى خارج الدولة صوب العالم العربي الكبير، سواء في مجال القصيدة الفصيحة أو الشعر الشعبي، ويذكر عدد من الباحثين أن الساحة الإماراتية تعتبر الأولى عربياً بمجال شعر المرأة المغنّى على مدى أكثر من نصف قرن، ويوضح الكاتب والباحث مؤيد الشيباني، أن ذلك الأمر ظهر بوضوح عبر الكثير من الشاعرات الإماراتيات اللواتي ظهرن على مر العصور، مشيراً إلى تجربة عدد من المبدعات اللواتي تميزن على الساحة الشعرية الإماراتية والخليجية، مثل الشاعرة عوشة بنت خليفة السويدي وغيرها من الرائدات اللواتي شكلن منبعاً تنهل منه المبدعات على مر العصور والأزمان، حيث تميزت الشاعرة الإماراتية بنبرة خاصة في قصائدها، وقدمت صورة مختلفة في الشكل والتعبير والأداء الحركي المتوازن.
دروب الحداثة
ولئن كانت تلك هي البدايات، فقد تطورت ساحة الشعر الإماراتي، فكتبت المرأة القصيدة على الطريقة العمودية، ومنهن من سرن في دروب الحداثة الشعرية فكتبن التفعيلة والنثر عبر الصحف والمجلات، ومنهن من تميزن بصورة حقيقية وهناك الكثير من الأسماء مثل: رؤى سالم، وسارة حارب، وابتسام سهيل، وأمينة عبدالعزيز، وحصة عبدالله، وفرح يوسف مختار، وليلى أحمد، ومنى سيف، وأمينة ذيبان ومنى سيف، وميسون صقر القاسمي، ونجوم الغانم، وهالة حميد معتوق، واللواتي تميزن بخصوصية خطاب شعري تظهر فيه السمة النسائية في الموقف من المجتمع والحياة، واستمرت تلك المسيرة التي بدأت منذ السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، لتلمع مرة أخرة نجوماً جديدة في سماء الشعر الإماراتي مثل صالحة غابش، وعائشة البوسميط، وخلود المعلا، والهنوف محمد، ومريم الزرعوني، وشيخة الجابري، وشيخة المطيري، وغيرهن وهن كثر وما زلن يقدمن إبداعهن في مختلف المواضيع والأغراض الشعرية، حيث إن الشاعرة الإماراتية لم تحصر نفسها في زاوية الشكوى والبوح، بل تنوعت أساليبها، وطرقت كل المواضيع وناقشت قضايا الوطن والمجتمع والوجود، وصاغت خطاباً شعرياً مختلفاً، برافعة الوعي والفكر.
عالم السرد
ولجت المبدعة الإماراتية عالم السرد في وقت باكر، وهي سابقة للرجل في هذا الميدان الذي هو مضمار تسابق فيه الرجل والمرأة فكان الفائز هو الجمال والإبداع الإماراتي، وكما ذكرنا، كان أول الغيث هو إنتاج أنثوي خاص متمثل في قصة «الرحيل» لشيخة الناخي، عام 1970، لتنتظر الساحة بعدها أربع سنوات لأول أنتاج سردي رجالي والمتمثل في المجموعة القصصية «الخشبة»، لعبد الله صقر عام 1974، بالتالي شكلت الناخي لحظة مختلفة في الأدب الإماراتي، فلئن كانت قد حملت لقب رائدة القصة القصيرة الإماراتية، فهي لم تنل تلك المكانة الكبيرة لمجرد السبق، بل لأنها قد تميزت بوعي كتابي كبير ومختلف، فهي صوت إبداعي حقيقي استطاعت أن تتوجه نحو مجتمع السبعينات بخطاب قصصي عقلاني ومعبر مختلف يحتشد بالأفكار والرؤى والدفق الشعوري الذي يخاطب الوجدان، الأمر الذي أثر بالفعل في المجتمع وأجيال من القراء، وما زالت تمارس ذات الفعل تجاه الكاتبات الجدد عبر تشجيعهن ودعمهن.
نقطة انطلاق
والواقع أن مرحلة السبعينات من القرن الماضي في الإمارات، كانت قد شهدت تحولات كبيرة، فهي فترة التأسيس، وهو الأمر الذي قاد إلى الكثير من المتغيرات الاجتماعية والمكانية، بالتالي انعكس ذلك على حركة الإبداع والأدب النسوي أو النسائي في الإمارات، فلئن أنتجت تلك المرحلة الباكرة أدباً نسوياً يشار إليه بالبنان، فإن ذلك الأمر هو في ذاته نتاج المتغيرات المتمثلة في قيام الدولة التي كان لها الأثر الإيجابي في حركة الإبداع عامة، وأدب المرأة بصورة خاصة، فإلى جانب الناخي كان هناك العديد من الأصوات النسائية المبدعة في المجالات الأدبية، وحركة السرد بصفة أكثر خصوصية فهناك فاطمة المزروعي، ومريم جمعة فرج، وسلمى مطر سيف، وعائشة عبدالله، وفاطمة الكعبي، وليلى أحمد، وأمينة بوشهاب، وسارة النواف، وغير ذلك من الأسماء التي كونت بدايات مسيرة السرد النسائي الإماراتي، ليأتي بعد ذلك بوقت قصير جيل حمل الراية لتبرز مرة أخرى نجوماً شديدة اللمعان والتوهج من أمثال جمعة مريم فرج والتي أسهمت بصورة كبيرة في تعزيز مشهد السرد في الإمارات، وهناك أيضا سعاد العريمي، وعائشة الكعبي.
فضاء
ولئن كانت الأديبة الإماراتية قد سبقت الرجل في مجال القصة القصيرة، وعبرت عن نفسها وهمومها وشواغلها عبر الاختزال والتكثيف والإيجاز، والتي هي سمات القصة القصيرة، فقد طرقت كذلك عالم الرواية، لتمارس التعبير بصورة أكثر رحابة، وتضع تصوراتها ومواقفها الفكرية في مختلف قضايا الحياة والوجود، لتبرز أسماء استطاعت أن تحجز لنفسها مكانة في السرد الروائي مثل: عائشة سلطان ومريم الغفلي، وسارة الجروان، ولولوة المنصوري، ونادية النجار، وريم الكمالي، وفاطمة محمد، ووفاء العميمي، وأسماء الزرعوني ونجيبة الرفاعي، وكذلك ميسون صقر التي جمعت بين الشعر والرواية، وهو أمر يتكرر كثيراً في مسيرة الإبداع النسائي الإماراتي فهناك العديد من الأدبيات اللواتي كتبن الشعر ثم الرواية والقصة.
تطور
من أهم العوامل التي أسهمت في بروز وازدهار الأدب النسوي، هو النهضة الاجتماعية الشاملة في الدولة، والتي أتاحت بالفعل أن تتفوق النساء في مجال الأدب، ولئن نجحت المرأة الإماراتية في أن تعلن عن حضورها وتبرز صوتها وترد على صورة الأنثى الواردة في خطاب الأديب الرجل، فهي أيضاً استطاعت أن تصيغ خطاباً إبداعاً نسوياً يراعي الخصوصية الإماراتية، حيث نجحت في قلب وتحطيم القواعد القديمة في الأدب وكيفية النظر إلى المرأة، بعد أن تخطت الشكل التقليدي في البناء، وتمردت على الأشكال المألوفة، فلفتت الأنظار، وشكلت مسيرتها الخاصة وتجربتها التي تقلبت فيها بين القديم والتجديد والتجريب والحداثة.
حركة نقدية
ولعل من أكثر الأشياء التي تميز المشهد الإبداعي بصورة عامة في الإمارات، والنسوي بشكل أكثر خصوصية هو بروز عدد من الناقدات الأدبيات الأكاديميات، وكذلك المتخصصات في النقد النسوي، إلى جانب ذلك الكم الكبير من المبدعات والأديبات، وهو أمر لا شك يثري ساحة الفعل والعطاء النسوي كثيراً، ويجعله مستمراً خاصة أن النقد لا ينفصل عن العملية الإبداعية، ومن الأسماء التي برزت في هذا المجال هناك د. مريم الهاشمي، ود. عائشة الشامسي، ود. زينب الياسي، ود. ناجية الخرجي، ود. ميثاء حمدان، ود. سميرة الشحي، وغيرهن وهو الأمر الذي يؤكد اكتمال المشهد الإبداعي النسوي الإماراتي الذي يسير بصورة متطورة وواضحة ويجمل الواقع الأدبي في الإمارات ومنطقة الخليج.

Loading

ما مدى اعجابك ؟

انقر على نجمة لتقييمه!

متوسط ​​تقييم 0 / 5. عدد الأصوات: 0

لا أصوات حتى الآن! كن أول من يقيم هذا المنشور.

ياريت تشكرونا على المجهود فى نقل وكتابه البوست ولو بتعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Previous Post

المخيمات السياحية في رمال الشرقية تستعد لموسم الشتاء

Next Post

المصمم الفرنسي Thierry Mugler يفارق الحياة عن عمر الـ73

Related Posts